كتب أحمد رمضان
الانتخابات البرلمانية الجارية الآن مختلفة فى كثير من تفاصيلها وعناوينها عن كل الانتخابات التى شهدها المصريون طوال العقود الماضية، ليس فقط على مستوى خريطة المنافسة وشكل الدعاية ومؤشرات النتائج ونوعيات الأسماء المطروحة للتواجد تحت قبة مجلس النواب 2015، الاختلاف أيضًا فى أن هذه هى المرة الأولى التى يتم البحث فيها عن رئيس للبرلمان قبل اكتمال أعمال الانتخابات أو انتهائها والوصول إلى هيكل واضح ومتماسك لعضوية المجلس، فما بين التساؤلات والشائعات والاقتراحات، ما زال اسم رئيس البرلمان المقبل لغزًا كبيرًا لا يستطيع أحد فكّ شفرته أو الوصول إلى مناطق كشف واضحة فيه، فمن بين آلاف المرشحين على مقاعد القوائم أو المقاعد الفردية، لم يلمع اسم واحد بالشكل الكافى ليتقدّم الصفوف ويُطرح كقائد للبرلمان المقبل، يجلس على المنصة ممسكًا بالمطرقة الشهيرة، ويقود مسيرة أخطر البرلمانات والمجالس النيابية التى تشهدها مصر فى العصر الحديث، وهو ما يجعل البعض يعتقدون أننا سنشهد فى هذه الدورة البرلمانية تكرارًا للسابقة التاريخية التى حدثت فى برلمانى 1984 و1987، حينما تم تعيين الدكتور رفعت المحجوب عضوًا بمجلس الشعب، ليتم انتخابه بعدها رئيسًا للبرلمان، فى سابقة تاريخية يكون رئيس المجلس النيابى فيها من المعينين لا المنتخبين.
تضاؤل أمل "عدلى منصور"
الاسم الذى تردّد بقوة خلال الفترة الماضية كان المستشار عدلى منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس الجمهورية السابق، بشكل مؤقت عقب ثورة 30 يونيو، وهو الرجل الذى اكتسب احترام الجميع خلال عام كامل قضاه رئيسًا مؤقّتًا للبلاد، تولى فيه المسؤولية فى ظرف سياسى واقتصادى وأمنى عصيب، واستطاع خلال هذه السنة إدارة المرحلة الانتقالية بحكمة، حتى تم تسليم السلطة للرئيس عبد الفتاح السيسى بعد الانتخابات الرئاسية.
من جانبه، التزم عدلى منصور خلال الأيام الماضية الصمت حيال ترشيحه لهذا المنصب، فيما بدا لكثيرين وكأنه إشارة واضحة للرفض، خاصة وأنه حين سئل من قبل عن أيّة مناصب سياسية يريد أن يتولاها بعد فترة الرئاسة المؤقتة، كان ردّه حاسمًا بأنه يريد العودة إلى المحكمة الدستورية.
ثمة مأزق آخر أيضًا نقف أمامه، فالبرلمان الذى من المفترض أن يراجع القوانين التى أصدرها الرئيس السابق عدلى منصور فى أثناء توليه السلطة، سيكون من المحرج أن يتولى رئاسته الشخص نفسه الذى أصدر تلك القوانين، على الأقل خلال الدورة الأولى من عمر المجلس.
جدل "السياسى.. والقانونى"
ثمة مشكلة أخرى أمام تولى المستشار عدلى منصور رئاسة البرلمان المقبل، فالرجل لم يقدم نفسه لنا يومًا باعتباره سياسيًّا، ولكنه رجل قانون كما عهدناه وعرفناه، ومع ظهور نتائج المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، فإن الملامح الأولى تدل على أننا أمام مجلس "موزاييك" من أحزاب مختلفة ومتباينة، بل ومتصارعة فى أحيان كثيرة، ومستقلين عديدين مختلفى التوجهات والأفكار، ما يجعلنا أمام مطلب رئيسى بأن يكون رئيس المجلس رجلاً عمل بالسياسة، يستطيع المقاربة بين هذا الطوفان من الأفكار المتباينة والمختلفة، وهو الأمر الذى لا يتحلّى به "منصور"، الذى كان رجلاً للقانون فقط، ولم يتقرب كثيرًا من السياسة.
هذا الأمر هو ما ذهب إليه أيضًا أسامة هيكل، وزير الإعلام الأسبق والمرشح على قائمة "فى حب مصر" - فى تصريحاته لـ "برلمانى" - إذ قال إن رئاسة المجلس تحتاج نائبًا صاحب خبرة قانونية وسياسية معًا، وفى حال عدم توافر الشرطين فيمن سيتولّى المسؤولية، فالأنسب أن يكون سياسيًّا له كاريزما وقدرة على السيطرة على مجريات الأمور، ويمكنه أن يستعين بمستشارين قانونيين، وليس العكس.
لماذا لا يكون أحمد الزند؟!
بالنظر إلى المعطيات السابقة، فإن طرح اسم المستشار أحمد الزند، وزير العدل الحالى، يبدو أمرًا أقرب لما قاله "هيكل"، ويفضله آخرون، فالرجل يمتلك من الخبرة القانونية ما يجعله على رأس المنظومة القانونية فى مصر، بتوليه منصب وزير العدل، ويمتلك من الخبرة السياسية ما يكفيه أيضًا لتولى المنصب، فعبر توليه رئاسة مجلس إدارة نادى القضاة خاض كثيرًا من المعارك السياسية، وخاصة خلال فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية، والتى خاض فيها النادى عديدًا من المعارك السياسية الناجحة، وعلى رأسها تصديه للإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المعزول محمد مرسى فى نوفمبر 2012، وبكل هذه التفاصيل فإن "الزند" قد يكون مؤهلاً وبشدّة لرئاسة البرلمان المقبل، ولكن هل يرغب هو شخصيًّا فى تولى المنصب؟
هذا ما ستجيب عليه الأيام القلية المقبلة.