أكد الدكتور شوقى علام - مفتى الجمهورية - أن خطر الإرهاب أصبح يهدد الجميع ولن نحقق أى تقدم ملموس إلا إذا تحمل كل طرف مسؤوليته بجدية، مدينًا بشدة التفجيرات الإرهابية التى حدثت صباح اليوم ببروكسل.
وشدد فى كلمته اليوم، أمام البرلمان الأوروبى فى مدينة بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبى، أن مصر حذرت كثيرًا من خطر الإرهاب ولم يستمع إليها أحد وأن مصر قادرة على دحر الإرهاب.
مصر أكملت سلطات الدولة الثلاث بانتخاب مجلس النواب
وقال مفتى الجمهورية: "أحب أن أؤكد لكم أن مصر الآن، تحيا مناخًا سياسيًا قائمًا على الوضوح والشفافية، بعد أن أتمت خارطة الطريق بانتخاب مجلس النواب، الذى أكمل سلطات الدولة الثلاث، لتكمل مسيرة التقدم والرقى".
وأضاف المفتى، أن مصر باعتبارها رمانة الميزان لمنطقة الشرق الأوسط، فإن لها دورًا محوريًا وضروريًا فى النظامين الدولى والإقليمى يحظى بالتقدير من المجتمع الدولى، ولا يمكن لأحد أن يلغى أو يقلل من دور مصر ومكانتها الدولية، ودورها الإقليمى الذى استعادته بقوة بفضل تحرك القيادة السياسية وتماسك الجبهة الداخلية.
مصر تحترم حقوق الإنسان والحريات
وأكد المفتى أن التزامنا باحترام حقوق الإنسان والحريات هو التزام أصيل لا حياد عنه، وهو أمر نابع من ديننا وخصوصيتنا الثقافية، مشيرًا إلى أن من المبادئ الأساسية للنظم الديمقراطية هى الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وألا تتدخل سلطة فى عمل أخرى، وهو ما نحرص عليه فى مصر فى الوقت الحاضر، مشددًا أن المسلمين والمسيحيين هم مصريين يعيشون فى وطن واحد.
وأضاف أن من مبادئ الديمقراطية المعترف بها سواء فى مصر أو فى دول الاتحاد الأوروبى وفى ميثاق الأمم المتحدة احترام سيادة الدول الأخرى، وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية، لافتًا إلى أننا فى مصر نعلم جيدًا أن مسائل حقوق الإنسان، وإن أضحت شأنًا يهم الجميع، إلا أن المصريين جميعًا لا يقبلون بالتدخل فى الشأن الداخلى المصرى.
وشدد مفتى الجمهورية على أنه ينبغى عدم استخدام الأسلوب الانتقائى فى التعامل مع مسائل حقوق الإنسان، أو تسييس بعض حالاتها، أو التدخل بسببها فى سير التحقيقات القضائية، وما تجريه أجهزة إدارة العدالة الوطنية من إجراءات، وذلك احترامًا للديمقراطية ذاتها.
وأكد المفتى على أهمية التناول الموضوعى والعادل والمنصف للقضايا ذات الاهتمام المشترك، من خلال الحوار البناء والمتبادل القائم على الاستماع للرأى والرأى الآخر، بناءً على المعلومات الموثقة والصحيحة من مصادرها، وليس الأقوال المرسلة والمعلومات المغلوطة.
وأكد مفتى الجمهورية أننا نواجه تحديات مشتركة تحتم علينا فتح قنوات الحوار المباشر مع بعضنا البعض، من أجل إيجاد حلول لتلك التحديات والمشكلات التى يواجهها العالم.
وأشار إلى أن غياب العدالة والإنصاف فى حل الصراعات الإقليمية والدولية وازدواجية معايير الشرعية الدولية، وانتقائية تطبيق مبادئ القانون الدولى، وانتهاج أساليب القوة والاستعلاء فى العلاقات الدولية، قد ساهمت فى تأجيج التطرف والإرهاب.
وأضاف فى كلمته أن علماء الدين الإسلامى أخذوا على عاتقهم نشر الصورة الحقيقية عن الإسلام، والتى نأمل أن تعطى العالم فهم أفضل عن الإسلام، مشيرًا إلى أن هذا الفهم بدوره يساعدنا جميعًا أن نحيا معًا فى سلام واستقرار وتعاون متبادل، لأن خطر الإرهاب أصبح يهدد الجميع، ولن ننجح فى تحقيق أى تقدم ملموس فى هذا الملف الخطير إلا إذا تحمل كل طرف مسؤوليته بجدية.
وشدد مفتى الجمهورية أن الفتوى تعد أحد الأدوات المهمة من أجل استقرار المجتمعات؛ ولكن الجماعات المتطرفة تستخدمها كأداة لهدم المجتمعات ونشر الفوضى وتستغل بعض النصوص الدينية التى تفسرها بمنطق مشوه وغير علمى من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية وتبرير أعمالهم الإجرامية.
وأوضح المفتى لأعضاء البرلمان الأوروبى أن مصدر التبرير المزعوم لكثير من مظاهر التطرف والعنف فى العالم الإسلامى وخارجه ليس مرده إلى تعاليم الأديان، ولكن لمجموعة معقدة من العوامل نحتاج لفهمها جيدًا بشكل معمق حتى نعالج هذه الظواهر التى تهدد العالم أجمع.
المفتى للبرلمان الأوروبى: أكرر أن الإسلام ضد التطرف على طول الخط
وقال: "اسمحوا لى أن أكون واضحًا بأن أكرر لكم أن الإسلام ضد التطرف على طول الخط، لكننا إن لم نفهم العوامل التى تقدم لتبرير العنف، فلن نتمكن أبدًا من استئصال هذا الوباء، ولابد من فهم ذلك حتى نبنى مستقبلًا أفضل يضع نهايةً لهذا الوضع الذى يؤزم العالم".
وأشار إلى أن الإسلام الذى تعلمناه وتربينا عليه دين يدعو إلى السلام والرحمة، وأول حديث نبوى يتعلمه أى طالب للعلم الدينى: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء"، مضيفًا أن فهمنا للإسلام ينبثق من فهم معتدل صاف للقرآن: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا"، وعندما قال الله"لتعارفوا" لم يكن مراده تعالى أن يقتل بعضنا بعضا، فكل الأديان متفقة على حرمة قتل الأبرياء، وإننا إنما أمرنا بالتعاون فى بناء وعمارة الأرض.
وقال المفتى: "أعلم أنه لا يكفى أن نقول أن الإسلام دين السلام، ولكن لابد من اتخاذ خطوات ملموسة لغلق الباب أمام هؤلاء القلة المنحرفة عن تعاليم الأديان".
وأضاف: "أحب أن ألفت النظر إلى واحدة من المشكلات التى تواجه المجتمعات الدينية اليوم، هى قضية المرجعية، فالإسلام والأديان الأخرى تشهد ظاهرة تصدى غير المتخصصين ممن ليس لهم نصيب وافر من التعليم الدينى وتنصيب أنفسهم مرجعيات دينية بالرغم من أنهم يفتقرون إلى المقومات التى تؤهلهم للحديث فى الشريعة والأخلاق".
وأشار إلى أن هذا التوجه قد أدى إلى أن فتح الباب على مصراعيه أمام التفسيرات المتطرفة للإسلام، والتى لا أصل لها فى الواقع، ولم يدرس أحد من هؤلاء المتطرفون الإسلام فى أى من معاهد التعليم الدينى الموثوق بها، وإنما هم نتاج بيئات مفعمة بالمشكلات، وقد انخرطوا فى تفسيرات مشوهة ومنحرفة لا أساس لها فى العقيدة الإسلامية، فغايتهم تحقيق مآرب سياسية محضة لا أصل دينيا لها؛ فهمهم إشاعة الفوضى فى العالم.
مفتى الجمهورية: لا مانع من قيام المرأة بمهمة الإفتاء
وأكد مفتى الجمهورية أنه لا مانع أبدًا من قيام المرأة بمهمة الإفتاء، فالفيصل هو العلم والفقه، فالمفتى والمفتيات ليس لقب إنما من تنطبق عليه الشروط، يكون مؤهلًا للفتوى ويتصدر للإفتاء.
وقال: "لدينا بالفعل فى دار الإفتاء المصرية عدد من العاملات والمتدربات فى مجال الفتوى، وهنا بعض علماء الأزهر من السيدات بالطبع يصلحنّ للفتوى ولديهم التأهيل العلمى والشرعى للقيام بتلك المهام الجليلة".
وعرض مفتى الجمهورية أمام البرلمان الأوروبى لتجربة دار الإفتاء المصرية فى مواجهة التطرف والإرهاب، حيث أكد أن دار الإفتاء استشعرت خطر فتاوى الإرهاب، وقامت بحزمة من الإجراءات لمواجهة الآلية الدعائية للتنظيمات الإرهابية ومن ضمنها داعش، وذلك من خلال إقامة مرصد لمتابعة الفتاوى التكفيرية والمتشددة، والرد على هذه الفتاوى وتفنيدها من خلال منهج علمى رصين، وإقامة مركز تدريبى متخصص حول سبل تناول ومعالجة الفتاوى المتشددة.
ولفت مفتى الجمهورية إلى أن دار الإفتاء استغلت أيضًا الطفرة الإلكترونية الهائلة ووسائل التواصل الحديثة للوصول إلى أكبر قطاع ممكن من الناس من مختلف الدول وبمختلف اللغات، حيث أطلقت العديد من الصفحات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى للرد على المتطرفين، والتى تزيد عن عشر صفحات يتابعها ما يقرب من 4 ملايين مستخدم، فضلًا عن الموقع الإلكترونى للدار الذى ينشر الفتاوى والمقالات والأبحاث ومقاطع الفيديو بعشر لغات، وكذلك إطلاق صفحة إلكترونية بعنوان "داعش تحت المجهر" باللغتين العربية والإنجليزية لتصحيح المفاهيم الخاطئة التى تسوقها التنظيمات الإرهابية، وإطلاق مجلة إلكترونية "بصيرة" باللغتين العربية والإنجليزية لنشر الإسلام الوسطى المعتدل، وترجمة أكثر من 1000 فتوى باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية نسبة كبيرة من هذه الفتاوى متعلقة بتفنيد مزاعم التيارات المتطرفة وما تسوقه من مفاهيم وتصدره من فتاوى مغلوطة، وكذلك إصدار موسوعة لمعالجة قضايا التطرف والتكفير باللغات الأجنبية.
وأكد مفتى الجمهورية فى ختام كلمته أمام البرلمان الأوروبى، أنه ليس من سلاح أقوى فى وجه التطرف من التعليم الصحيح، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء المصرية- وهى أكبر مؤسسة عالمية لإصدار الفتاوى فى العالم- على أتم استعداد للمساعدة لتحقيق هذه الغاية.
وأضاف: "نحن فى دار الإفتاء نسعى لتقديم الفتوى الشرعية التى تحقق مصالح العباد والبلاد لجميع المسلمين فى العالم، والتى تسهم فى فهم الإسلام على نحو صحيح وستساعد على العيش معًا فى سلام وسكينة وتعاون متبادل".
المحاكمات فى مصر تتم دون توجه سياسى
وقال مفتى الجمهورية لا توجد محاكمات ذات توجه سياسى، فجميع المحاكمات تتم فى إطار سيادة القانون، والقضاء المصرى مستقل، والمحاكمات تتم بعد تحقيق قضائى متكامل، أما عن المهام المنوطة بدار الإفتاء فهى تقتصر على إصدار الفتوى فى قضايا الإعدام حيث تحيل محاكم الجنايات وجوبًا إلى المفتى القضايا التى ترى بالإجماع وبعد إقفال باب المرافعة وبعد المداولة إنزال عقوبة الإعدام بمقترفيها، وذلك قبل النطق بالحكم، تنفيذًا لقانون الإجراءات الجنائية، حيث أتفحص القضايا المحالة إلى من محكمة الجنايات، وأدرس أوراقها دراسة مستفيضة حتى أطمئن بشكل تام، فدار الإفتاء فى نظرها لقضايا الإعدام تمثل حلقة مهمة من حلقات المحكمة، لذا يجب عدم الخوض فى أى تفاصيل بشأن القضايا المحالة إليها، تحقيقاً لمبادئ العدالة وسيادة القانون، كما أن المفتى ينظر قضايا الإعدام من الناحية الشرعية فقط، بغض النظر عن الأشخاص فى تلك القضية.