فى مبدأ هام للمحكمة الدستورية العليا، قضت اليوم السبت، برئاسة المستشار بولس فهمى، بالاستمرار فى الحكمين الصادرين منها بجلستى 15 مايو 1993 و19 ديسمبر 2004، وعدم الاعتداد بحكم محكمة استئناف الإسماعيلية، والتأكيد على انتهاء حق الحاضنة فى الاحتفاظ بمسكن الحضانة بعد بلوغ سن الصغير 15 عاما وإعادة المسكن للمطلق.
وقالت المحكمة في الحيثيات إن حكميها الصادرين في الدعويين الدستوريتين رقمي 7 لسنة 8 قضائية و119 لسنة 21 قضائية، قد حددا، بطرق الدلالة المختلفة، معنى معينًا لمضمون نص المادة (18 مكررًا ثالثًا) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985، مؤداه: أن التزام المطلق بتهيئة مسكن الحضانة ينقضي ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الحضانة الإلزامي، وما يترتب على ذلك من حق الزوج المطلق في استرداد مسكن الحضانة والانتفاع به، إذا كان لــه الحــــــــق ابتداءً في الاحتفـــــاظ به قانـــونًا.
ولا ينال مما تقدم أن للقاضي أن يأذن للحاضنة، بعد انتهاء المدة الإلزامية للحضانة، بإبقــــاء الصغير أو الصغيرة فــــي رعايتهــــــا إذا تبيــــــن أن مصلحتهمــــا تقتضي ذلك، إذ إن ما يأذن به القاضي على هذا النحو لا يعتبر امتدادًا لمدة الحضانة الإلزامية، بل منصرفًا إلى مدة استبقاء، تُقدم الحاضنة خدماتها متبرعة بها.
وليس للحاضنة بالتالي أن تستقل بمسكن الزوجية خلال المدة التي شملها هذا الإذن.
نص الحكم الصادر، في الدعوى رقم 7 لسنة 8 قضائية "دستورية":
بتاريخ 18 مارس سنة 1986 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية القانون رقم 100 لسنة 1985 برمته شكلاً، وفى الموضوع الحكم بعدم دستورية مواد هذا القانون خاصة مادته الثالثة المعدلة للفقرة الأولى من المادة (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية، وكذلك ما أضافته مادته الأولى إلى ذلك المرسوم بقانون من نصوص هى المواد (5 مكرراً) فى فقرتيها الأولى والثالثة و(11 مكرراً) و(18 مكرراً ثالثاً) و(23 مكرراً) فى فقرتيها الثانية والثالثة .
وتتحصل الدعوى فى أن المدعى عليها "سيدة" كانت قد أقامت الدعوى رقم 1141 لسنة 1985 شرعى كلى الجيزة ضد المدعى بطلب تمكينها من الاستقلال بمسكن الزوجية لحضانتها إبنها منه ومنع تعرضه لها فى ذلك.
كما كانت المدعى عليها نفسها قد أقامت الدعوى رقم 1140 لسنة 1985 شرعى كلى الجيزة بطلب الحكم لها قبل المدعى بمتعة تعادل نفقة عشر سنين.
ودفع المدعى أمام محكمة الموضوع فى هاتين الدعويين بعدم دستورية القانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية، وكانت محكمة الموضوع قد صرحت له برفع الدعوى الدستورية - بعد أن قدرت جدية دفعه- فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن النعى بمخالفة الفقرة الأولى من المادة (20) -المشار إليها- للدستور غير سديد، ذلك أن ما نص عليه الدستور فى مادته الثانية بعد تعديلها- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من سريان حكمها على التشريعات الصادرة بعد العمل به- ومن بينها أحكام القانون رقم 100 لسنة 1985- مؤداه: أنه لا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها، فهذه الأحكام وحدها هى التى لا يجوز الاجتهاد فيها، وهى تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً.
ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان، إذ هى عصية على التعديل ولا يجوز الخروج عليها.
وحيث إن الحضانة - فى أصل شرعتها- هى ولاية للتربية، غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته. والأصل فيها هو مصلحة الصغير، وهى تتحقق بأن تضمه الحاضنة - التى لها الحق فى تربيته شرعاً- إلى جناحها باعتبارها أحفظ عليه وأحرص على توجيهه وصيانته، ولأن انتزاعه منها - وهى أشفق عليه وأوثق اتصالاً به وأكثر معرفة بما يلزمه وأوفر صبراً - مضرة به إبان الفترة الدقيقة التى لا يستقل فيها بأموره والتى لا يجوز خلالها أن يعهد به إلى غير مؤتمن يأكل من نفقته، ويطعمه نزراً، أو ينظر إليه شزراً.
وحين يقرر ولى الأمر حدود هذه المصلحة معرفاً بأبعادها، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية - القطعية فى ثبوتها ودلالتها - لا تقيم لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها، انطلاقاً من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها، وأن تطرق الخلل إليها- ولو فى جوانبها - مدعاة لضياع الولد.
ومن ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون لازماً للقيام على مصلحته، ودفع المضرة عنه، باعتبار أن مدار الحضانة على نفع المحضون، وأن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره، حتى عند من يقولون بأن الحضانة لا تتمحض عن حق للصغير، وإنما يتداخل فيها حق من ترعاه، ويعهد إليها بأمره. ولولى الأمر بالتالى أن يقدر ما يراه خيراً للصغير وأصلح له، بمراعاة أن حقه فى الحضانة لا يعتبر متوقفاً على طلبها ممن له الحق فيها، وأن ما يصون استقراره النفسى ويحول دون إيذائه، ويكفل تقويمه، من المقاصد الشرعية التى لا يجوز المجادلة فيها، وأن النزول عن الحضانة بعد ثبوتها لا يحول دون العودة إليها. بل إن من المجتهدين من يقول بجواز حمل الحاضنة عليها- بافتراض اجتماع شروطها فيها - كلما كان ذلك ضرورياً لصيانة الصغير وحفظه. وقد دل الفقهاء - باختلافهم فى زمن الحضانة - وهى الفترة الواقعة بين بدئها وانتهاء الحق فيها- على أن مصلحة الصغير هى مدار أحكامها، وأنها من المسائل الاجتهادية التى تتباين الآراء حولها، كل من وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحصيل الخير للصغير فى إطار من الحق والعدل.
ولئن كان المتقدمون لا يقدرون للحضانة مدة معينة تنتهى بانتهائها، وإنما يركنون إلى معايير مرنة بطبيعتها ضابطها هو انتهاؤها عند السن التى يبلغها الصغير أو الصغيرة مميزين قادرين على الوفاء بحاجاتهما الأولية مستغنيين تبعاً عن خدمة النساء، وكان آخرون من بعدهم قد حدوا للحضانة سناً معينة تنتهى ببلوغها قطعاً لكل جدل حولها، إلا أن استقراء أقوال هؤلاء وهؤلاء يدل على أن اجتهاداتهم فى شأن واقعة انتهاء الحضانة، مدارها نفع المحضون- صغيراً كان أم صغيرة - ويتعين بالتالى أن يصار إلى كل ما يصلحه ويكفل وقايته مما يؤذيه، وتربيته إنماء لمداركه ولإعداده للحياة، وبوجه خاص من النواحى النفسية والعقلية، وكان الأصل فى حضانة الصغير والصغيرة - على ما تقدم- هو تعهدهما بالرعاية بما يحول دون الإضرار بهما، تعين ألا تكون سن الحضانة محددة بقاعدة جامدة صارمة لا تأخذ فى اعتبارها تغير الزمان والمكان، أو تغفل فى مجال تطبيقها ما يقتضيه التمييز فى نطاق الحضانة بين الصغير والصغيرة بالنظر إلى طبيعة كل منهما، وخصائص تكوينه، ودرجة احتياجه إلى من يقوم على تربيته وتقويمه، وما تتطلبه الذكورة والأنوثة من تنمية ملكاتهما.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان ما قررته المادة (18 مكرراً) ثالثا- التى أضافها القانون رقم 100 لسنة 1985 إلى المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية - من إلزام ها الزوج المطلق بأن يهيئ لصغاره من مطلقته ولحاضنتهم مسكناً مستقلاً مناسباً، إنما يدور وجوداً وعدماً مع المدة الإلزامية للحضانة التى قررتها الفقرة الأولى من المادة (20) المطعون عليها، فإن حق الحاضنة فى شغل مسكن الزوجية إعمالاً للمادة (18 مكرراً) ثالثاً المشار إليها، يعتبر منقضياً ببلوغ الصغير سن العاشرة والصغيرة اثنتى عشرة سنة . متى كان ذلك،
فلهذه الأسباب حكمت المحكمة :
أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية نصوص المواد (5 مكرراً) بفقرتيها الأولى والثالثة و(11 مكرراً) و(18 مكرراً) ثالثاً و(23 مكرراً) بفقرتيها الثانية والثالثة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية .
ثانياً:برفض الدعوى بالنسبة إلى الطعن على المادتين (18 مكرراً) و(20) فقرة أولى من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985- المشار إليهما- وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .