كتب تامر إسماعيل
فى الوقت الذى يشارك فيه الناخبون المصريون فى أول أيام جولة الإعادة للمرحلة الأولى من انتخابات مجلس نواب 2015، يقف اثنان من "عرّابى" الانتخابات خلال العقود والسنوات الماضية فى ساحة محكمة جنايات شمال القاهرة، المنعقدة فى التجمع الخامس، ماثلين أمام القضاة فى جلسة من جلسات محاكمتهم فى إحدى قضايا الكسب غير المشروع، وهما: الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق محمد حسنى مبارك، وصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى السابق وأمين عام الحزب الوطنى المنحل، اللذان اعتمد عليهما الحزب فى إدارة كواليس انتخاباته على مدار سنوات طويلة كانا فيها من أهم الوجوه والأسماء التى تحفظ دولة الحزب الوطنى وتُحكم سيطرته على مقاليد الأمور ومقدرات المصريين.
عزمى "ركب الفساد".. والشريف "كبير الشورى"
المفارقة فى وجود صفوت الشريف وزكريا عزمى أمام القضاء فى يوم من أيام الانتخابات ليست فى مجرد الصورة، ولكن لها بُعدًا أعمق من ذلك، يتعلق بأن صفوت الشريف، الذى شغل منصب رئيس مجلس الشورى فى نظام مبارك، وأمين عام الحزب الوطنى السابق، لعب طوال هذه السنوات دورًا لم يكن أمينًا فى تقديم الشورى ووضع الخطط لحصد مقاعد البرلمان الذى يمثل المصريين، فحجب عن المواطنين من يستحقون تمثيلهم، واليوم انتزع المصريون حقهم فى ذلك، وهو يقف مدافعًا عن نفسه فى اتهامات بالفساد والكسب غير المشروع.
وعلى صعيد قريب من وقفة صفوت الشريف، يقف زكريا عزمى - صاحب أشهر جمل الفساد فى مجلس الشعب "الفساد وصل للركب" - ليدافع عن نفسه فى اتهامه فى قضايا فساد وكسب غير مشروع، فى تأكيد مهم على أن ثورة يناير أعادت الأمور إلى نصابها، وأعطت للمواطن حقّ اختيار من يمثّلونه، ووضعت أمام القضاء من ادّعوا سابقًا أنهم يحاربون الفساد ومن تلاعبوا بعقول المصريين.
الجيش يؤمّن الانتخابات.. والقضاء يشرف عليها ويحاكم المتهمين
أبرز ما فى هذين المشهدين من مفارقات، أن المصريين الذين عاشوا قبل ثورة يناير مسلوبى الحقوق الدستورية والسياسية، يقفون اليوم مطمئنين إلى أن أصواتهم لن تُزيّف أو يتم التلاعب بها، وأنهم يستطيعون التعبير عن آرائهم، حتى لو بالمقاطعة أو الإبطال، فى ظل حماية وتأمين القوات المسلحة، التى حمت ثورتهم فى 25 يناير 2011 من بطش ومكائد أعضاء الحزب الوطنى المنحل، الذين حاولوا مرارًا وتكرارًا إجهاض الثورة وإفشال مساعيها، إلا أن جيشهم - الذى يؤمِّن أصواتهم اليوم - هو نفسه من حمى ثورتهم أمس.
وتكتمل هذه المفارقة المثيرة للدهشة عندما تظهر صورة وقوف زكريا عزمى وصفوت الشريف أمام القضاة فى المحكمة، فى اليوم الذى يُشرف فيه قضاة مصر على الانتخابات، ويحمون إرادة المصريين من التزييف الذى عانوا منه على مدار سنوات طويلة ماضية.
الزمن لا يعود أبدًا إلى الخلف
هذه الجملة تكرّرت كثيرًا خلال الأيام الماضية، ومنذ اشتعال صورة 25 يناير، والتأكيد عليها بثورة 30 يونيو، وذلك فى إطار الردّ على من يدّعون أن الثورة تتراجع وأن مبادئها تتهاوى، وأن وجوه النظام القديم تعود إلى المشهد من جديد، ولكن مفارقة وجود صفوت الشريف وزكريا عزمى فى قفص الاتهام، اليوم الثلاثاء، ومع توافد الناخبين على اللجان ومقرات الاقتراع، تؤكد أن الثورة فعلا لا تعود إلى الخلف، وأن الزمن لا يعود للوراء، وأن المتهم يبقى متّهمًا حتى يفصل القضاء فى أمره، والبرىء الذى لم يتورط فى فساد يمارس حقه السياسى، وهذه إحدى مبادئ الثورات، أن يسود القانون والعدل، لا الأهواء والأغراض الشخصية، ويتأكّد هذا المشهد عندما تحضر إلى الأذهان صورة استبعاد المهندس أحمد عز، أمين تنظيم الحزب الوطنى المنحل وثالث أضلاع المثلث المتهم بتزوير إرادة المصريين قبل ثورة 25 يناير 2011.