كتب تامر إسماعيل
رغم تعدد الملاحظات والسلبيات التى شابت العملية الانتخابية فى كثير من وجوهها، بدءًا من أطرها التنظيمية ومرورًا بممارسات المرشحين وصولاً إلى نسب المشاركة والتصويت، إلا أن أكثر ما لفت أنظار المتابعين والمراقبين فى جولة الإعادة للمرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، التى أُعلنت نتيجتها النهائية مساء الجمعة الماضية، هو تمدد واتساع حجم ظاهرة شراء الأصوات، وتصاعدها إلى حد صادم لكثيرين من المتابعين والمهتمين، ورغم أن الانتخابات فى مصر لم تشهد فى أغلب مراحلها الماضية، قبل أو بعد ثورة يناير، اختفاء تاما لظاهرة شراء الأصوات، إلا أن هذه المرة حملت الظاهرة طابعًا مختلفًا، وهو العلانية والتبجح وتقبل الوضع حتى من المنافسين، بل وبروز بورصة للأصوات ومزاد علنى عليها إلى حد وصول سعر الصوت - كما رصد عديد من المراقبين فى آخر ساعات التصويت فى اليوم الثانى ببعض دوائر الإعادة - إلى 500 جنيه، وهو ما اعتبره البعض تفسيرًا لظاهرة ارتفاع نسبة الإقبال فى آخر ساعات التصويت بتلك الدوائر.
اعتراف المستشار عمر مروان كان بمثابة الإشارة لبدء المعركة
البحث عن سبب تلك السلبية التى ظهرت على كثيرين فى التعامل مع الظاهرة، سيرجع بنا إلى أول تصريح من مسؤول يتنبأ فيه باستمرار ظاهرة الرشاوى الانتخابية وشراء الأصوات وانتشار وسطوة المال السياسى، وهو اعتراف المستشار عمر مروان، المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات - فى حوار له مع "برلمانى" قبل بدء جولة الإعادة بأيام، وتحديدًا فى 13 أكتوبر الماضى – والذى قال فيه "مروان": "مفيش دولة فى العالم استطاعت أن تقضى على المال السياسى، ومخالفات الدعاية لا يمكن منعها نهائيًا، مين اللى يقدر يقول إن المرشح بيدفع فلوس عشان الناس تصوّت له؟! أو إنه بيدى للناس كيلو لحمة، والرشوة الانتخابية مستمرة ولا يمكن لأحد أن يقضى عليها سوى المواطن".
وبالفعل فإن ما حدث فى آخر ساعات التصويت خلال جولة الإعادة للمرحلة الأولى كان نتيجة منطقية لما قاله "مروان"، فبما أن المواطن سيظل فى احتياج لكل 100 جنيه يقدمها له أحد المرشحين، وبما أن المرشح نفسه ما زال يبحث عن مقعد البرلمان بأى ثمن، وبما أن جريمة شراء الأصوات قائمة ولن تتمكن اللجنة من ضبطها، فقد تحققت بالفعل نبوءة المستشار عمر مروان، واستمرت الرشاوى الانتخابية، بل جرأت تصريحاته المرشحين وأنصارهم على التمادى فيها.
رصد عشرات الوقائع فى كثير من اللجان قبل إغلاق باب التصويت
أما عن حجم الظاهرة ومؤشراتها والدلائل الواضحة عليها، فقد كشفت كثير من الجمعيات والمنظمات الرسمية والأهلية المشاركة فى متابعة جولة الإعادة، عن كثير من الوقائع التى تؤكد تفشى ظاهرة شراء الأصوات، وخاصة فى الساعات الأخيرة من التصويت باليوم الثانى للإعادة، ومنها دائرة إيتاى البارود بمحافظة البحيرة، إذ رصدت بعض التقارير وجود حالات رشاوى انتخابية ووصول سعر الصوت إلى 200 جنيه.
وفى قسم الحمام بمحافظة مرسى مطروح، رصدت التقارير قيام أنصار أحد المرشحين بإعطاء كل ناخب 100 جنيه مقابل التصويت لصالح مرشّحهم، كما رصد مراقبو الائتلاف تقديم رشاوى انتخابية فى مركز اقتراع مدرسة كفر جمعة الابتدائية فى دائرة مركز "ببا" بمحافظة بنى سويف، إذ وصل سعر الصوت فى الدائرة إلى 150 جنيهًا.
وفى دائرة قسم محرم بك بمحافظة الإسكندرية، رصد المراقبون حالات رشاوى انتخابية من أنصار أحد المرشحين، عبر توزيع 100 جنيه على كل ناخب داخل المقر الانتخابى للمرشح، وفى دائرة قسم المنتزه بالمحافظة نفسها، رصدت التقارير قيام أنصار أحد المرشحين بتوزيع رشاوى انتخابية قدرها 50 جنيها على كل ناخب أمام هذه المدارس، وليست هذه كل الوقائع فى هذا السياق، إذ تم رصد عشرات الوقائع المشابهة، ومنها رصد رشاوى انتخابية فى دائرتى امبابة وكرداسة بالجيزة، واللتين وصل سعر الصوت فيهما إلى 500 جنيه.
تقرير غرفة عمليات مجلس الوزراء يعترف.. و"العليا للانتخابات": لا تعليق
أما عن أبرز مشاهد الرشاوى الانتخابية فى آخر أيام جولة الإعادة بالمرحلة الأولى من الانتخابات، فتمثّلت فى اعتراف تقرير غرفة عمليات مجلس الوزراء الأخير بوجود وقائع رشاوى انتخابية فى دائرتين بالجيزة، والإبلاغ عنهما بشكل رسمى، ما يؤكد أن الظاهرة كانت منتشرة إلى حد اضطرار مجلس الوزراء إلى الاعتراف بها فى أحد تقاريره، إلا أن اللجنة العليا للانتخابات حتى الآن لم تتخذ إجراء واحدًا ضد هذه الوقائع، ما يؤكد تصريحات المستشار عمر مروان، المتحدث الرسمى باسم اللجنة، بأن هذه الجريمة التى ساهمت فى نجاح عدد من المرشحين، لن يتم كشفها ولا ضبطها ولا محاسبة فاعليها ولا القضاء عليها مستقبلا.