رئيس الحكومة وزعيمة المعارضة فى مناظرة تاريخية تحت قبة البرلمان.. 4 دقائق نموذجية فى مناقشة قضايا الوطن.. أسئلة واتهامات محرجة تفندها ردود مباشرة بالأرقام.. فمتى نرى ذلك فى مصر؟
درس الديمقراطية الكندى
درس فى الديمقراطية من كندا
الثلاثاء، 10 مايو 2016 04:05 م
كتب تامر إسماعيل
دقائق معدودة رصدتها كاميرات التليفزيون، ونشرتها مواقع الأخبار، وعلق عليها المحللون، وانتشرت فى ساعات قليلة ليراها العالم كله، هذه الدقائق هى التى جمعت بين زعيم المعارضة فى البرلمان الكندى ورئيس الوزراء، فى مناظرة تحت قبة البرلمان، لكن أداء الاثنين، الذى عبر عن فكرهما وتحضرهما- كان مدهشا للجميع، وخاصة فى دولة مثل مصر، المعارضة فيها "صوت عالى"، والتأييد فيها "تخوين للآخر"، والحكومة فيها "لا تسمع"، وإن سمعت "لا ترد"، وإن ردت "لاتعطى معلومة".
رونا امبروز تقدم نموذجا للمعارض الواثق من نفسه
بدأت المناظرة التى تمت هذا الأسبوع، بين رئيسة حزب المحافظين وزعيمة المعارضة "رونا أمبروز"، ورئيس الوزراء "جاستن ترودو" الذى يرأس الحزب الليبرالى، أثناء مناقشة بعض جوانب ميزانية الحكومة.
وقدمت أمبروز، التى تبلغ من العمر 47 عامًا، نموذجا للمعارض الهادئ الواثق من نفسه، المنفعل بهموم وطنه، وليس بحب الانتقام أو التشويه، الذى يقدم رؤية كاملة، وليس مجرد انتقادا لأداء غيره، وبدأت أمبروز مناقشتها مع رئيس الوزراء، ساخرة بطلف من وزير المالية ورئيس الحكومة، معتبره حديثهما نوعا من الرياضة الكلامية أمام الكاميرات، ثم سألته: "هل حقًا الحكومة تعمل على تطوير ميزانية معتدلة"، واتهمته بصرف 10.7 مليار دولار فى شهر مارس الماضى وحده، موضحة أن تلك الأموال مٌكتسبة من الأسر الكندية الكادحة التى تعمل بكد، وأن ما يتم اقتراضه الآن سوف يدفع الشعب الكندى ثمن تسديد فوائده لاحقا.
وواجهته: "هل تفهم أن هذا المال ليس مالك الخاص لكى تصرفه على هذا النحو؟"
رئيس الوزراء الشاب يرد بهدوء وأرقام ومعلومات
كل هذه الاتهامات والأسئلة لم يرد عليها رئيس الوزراء الشاب الذى يبلغ من العمر 44 عاما باتهامها بإثارة الفوضى، أو أنها تسعى لإسقاط الدولة، أو أنها ضد الاستقرار، بل رد على كل نقطة بهدوء وثقة فى نفس الوقت، وبالأرقام، والمعلومات، ليس رافضا للمسائلة أو مستاء من النقد، بل راضيا بأن يكون مسؤولا يتم محاسبته فى برلمان وطنه ومن زعيمة حزب معارض له ولحكومته، دون أى غضب أو امتعاض.
المعارضة والحكومة .. حضن تحت قبة البرلمان
ولم يكن هذا المشهد هو الأوحد تحت قبة البرلمان الكندى، بل أن نفس الاثنين قد تبادلا الشكر فى جلسة أخرى بعد انتهاء المناقشات، وقام رئيس الوزراء بشكر زعيمة المعارضة وحضنها أمام كاميرات وأمام النواب.
الدروس التى يجب أن يتعلمها العاملون بالسياسة والشأن العام فى مصر كثيرة، بداية من الأحزاب السياسة، مرورا بأعضاء البرلمان، وكتل المعارضة، وصولا إلى المسؤولين والقيادات التنفيذية، وأول هذه الدروس، أن المعارض ليس الصورة التى تعودنا عليها فى مصر، ليس الصوت العالى، ليس الاتهامات المرسلة، ليس النقد لمجرد النقد، ليس شخصا ساعيا لإسقاط المسؤول، بل باحثا عن تقويمه، المعارض هو نموذج الكندية "رونا أمبروز"، تلك السيدة المتعلمة التى تتحدث بهدوء وثقة، استنادا إلى أرقام ومعلومات، وباحثة عن التقويم وليس الهجوم من أجل الهجوم، التى تهاجم مسؤولا تنفيذيا وفقا لمعطيات منصبه وليس لأغراض أو حسابات شخصية.
فهذه السيدة هى أيضا عضو بالحزب المعارض، المعارض للحكومة الكندية، وهو مايدل على أن الأحزاب تملك كوادار وبرامجا، ليست فقط مؤهلة لأن تعترض وتنتقد، بل لأن تحكم وتتحمل المسؤولية، وتقدم رؤية مختلفة وطرحا بديلا.
رئيس الوزراء الكندى يضرب المثال فى تحمل النقد
أما الحكومة والمسؤولين، فقد ضرب رئيس الوزراء الكندى درسا فى التحمل واستيعاب النقد، والرد بالمعلومات والأرقام وعدم التخوين وتبادل الاتهامات التى نراها فى مصر.
إضافة إلى دور نواب البرلمان فى مناظرة، حيث التزموا جميعا بالهدوء والصمت والاستماع، ولم يقاطع أحدا زعيمة المعارضة، أو رئيس الوزراء، فكان المستفيد الأول والأخير هو المواطن، الذى كلف المسؤول بإدارة شؤونه، وكلف النائب بمراقبة المسؤول.
المقارنة ليست فى صالح البرلمان المصرى
وهنا يجدر الإشارة إلى بعض المشاهد التى حدثت فى مجلس النواب المصرى أثناء مناقشة بيان الحكومة، مثل هذا المشهد.
وهذا المشهد الذى تجمع فيه النواب أمام الوزراء فى جلسة التصويت على بيان الحكومة لأخذ توقيعات الوزراء على تأشيرات لطلباتهم.
وسيظل المصريون فى انتظار أن يروا من نوابهم وحكوماتهم ومسؤوليهم تغليب المصلحة العامة والمنطق والعلم والمعلومات، على الأهواء الشخصية والانفعالات اللحظية، ومنطق المعارضة من أجل المعارضة، أو تخوين المسؤولين لمن ينتقدهم، لأن الخاسر الأول من هذا المشهد هو المصريين، كما أن الفائز الأول من مشهد البرلمان الكندى هو المواطن الكندى.