الجمعة، 22 نوفمبر 2024 09:25 م

ننشر المذكرة التفسيرية لقانون "الاقتصاد غير الرسمى".. 2.6 تريليون جنيه خارج سلطة الدولة

ننشر المذكرة التفسيرية لقانون "الاقتصاد غير الرسمى".. 2.6 تريليون جنيه خارج سلطة الدولة مجلس النواب
الأحد، 30 أكتوبر 2016 04:25 م
كتبت سمر سلامة
تسلم مجلس النواب برئاسة الدكتور على عبد العال، نص المذكرة التفسيرية لمشروع قانون الاقتصاد غير الرسمى المقدم لمجلس النواب عقب تقديم مشروع القانون موقع من 156 نائب برلمانى .

وكان المهندس ياسر قورة المساعد الاول لرئيس حزب الوفد للشؤون السياسية والبرلمانية، وضع مشروع قانون الاقتصاد غير الرسمى وقدم للبرلمان مصحوبا بتوقيع 156 نائب برلمانى كموافقة مبدئية على مشروع القانون .

وجاء نص المذكرة التفسيرية المسلمة لمجلس النواب كالتالى :-


قد يتبادر إلى الذهن أن الاقتصاد غير الرسمى هو الاقتصاد الأسود، ولكن الفارق بينهما كبير، لأن الاقتصاد غير الرسمى يمارس أنشطة مشروعة، ولكنه لا يلتزم باستخراج التراخيص اللازمة، ولا يمسك بدفاتر محاسبية تجعله تحت طائلة التحصيل الضريبى.

وبالتالى فالاقتصاد غير الرسمى يقدم سلعا وخدمات غير مجرمة من حيث الناحية القانونية والشرعية، بينما يقوم الاقتصاد الأسود على الأنشطة المحظورة قانونًا وشرعًا، مثل تجارة المخدرات وتجارة السلع أو الإتجار بالبشر، أو تنظيم شبكات الدعارة، أو تجارة العملة فى الدول التى تمنع هذا النشاط وتقصره على جهات بعينها مثل البنوك.

وعادة ما ينتشر الاقتصاد غير الرسمى أو الذى يطلق عليه أحيانًا الاقتصاد الموازى فى الدول النامية. وباعتبار مصر من هذه الدول، فمنذ سنوات والاقتصاد غير الرسمى محل اهتمام المجتمع الأكاديمى، فكانت هناك أطروحات عدة تتناول الوسائل والسبل لتحويل هذا القطاع إلى الاقتصاد الرسمي، لكى يضاف إلى قاعدة البيانات الخاصة بالحسابات القومية، وتوفير مناخ أفضل للعاملين فيه.

ومن هنا جاءت فلسفة مشروع القانون لضم هذا القطاع إلى الاقتصاد الرسمى للاستفادة منه فى تعظيم الحصيلة الضريبية، خاصة أن الموازنة المصرية تعانى من عجز مزمن، وزيادة الضرائب قد تساهم فى تخفيف حدة هذا العجز.

حجم الاقتصاد غير الرسمى



تختلف التقديرات للوقوف على حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر، فهناك تقدير للاقتصادى الشهير فرناندو دوستو، بأن الاقتصاد غير الرسمى فى مصر يقدر بنحو 395 مليار دولار، أى ما يعادل 2.6 تريليون جنيه مصري.
غير أن تقديرا حديثا لاتحاد الصناعات المصرية يقدر حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر بنحو تريليون جنيه مصرى.

وترجع دراسة الاتحاد الفارق بين التقديرين إلى أن تقدير دوستو تضمن العقارات غير المسجلة فى المجتمع المصرى، بينما تقدير اتحاد الصناعات اعتمد فقط على رؤوس الأموال المتداولة فى السوق المصرى، ولكنها خارج إطار التسجيل والتوثيق الرسمى.

ويلاحظ أن حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر قد تزايد بشكل ملحوظ بعد ثورة 25 يناير، بسبب غياب العديد من المؤسسات المعنية بمراقبة النشاط الاقتصادى بالأسواق عن عملها، مثل الإدارات المحلية، وشرطة المرافق، وغيرها من الأجهزة الرقابية التى تعتنى بمنع مزاولة أى نشاط بدون ترخيص.
ويزيد على ذلك ضعف الحضور الأمنى لرجال الشرطة، وانشغالهم بمواجهة الفعاليات السياسية وأعمال العنف والشغب التى لم تنقطع على مدار الأشهر الخمسة الماضية.

وتقدر دراسة اتحاد الصناعات وجود الاقتصاد غير الرسمى فى مجال الصناعة بنحو 40 ألف مصنع غير قانوني، تمارس نشاطها فى أماكن غير مرخص بها، أو أنها تعمل فى إطار بعيد عن إجراءات الأمن الصناعي، فضلًا عن شروط السلامة والصحة. ويطلق على هذه الصناعات فى مصر مصانع "بير السلم".

ويمتد الاقتصاد غير الرسمى فى مجال الخدمات، إذ عادة ما تكون أسعار السلع والخدمات المقدمة فى إطار هذا الاقتصاد أقل من نظيرتها التى يقدمها الاقتصاد الرسمي، بسبب تهرب الاقتصاد غير الرسمى من الضرائب، سواء فى مشترياته أو مبيعاته، فضلا عن وجود تجاوزات كثيرة فى كافة مراحل ممارسته للنشاط الاقتصادي.

سلبيات الاقتصاد غير الرسمى



تتنوع السلبيات التى تقع على عاتق الاقتصاد المصرى من ممارسات الاقتصاد غير الرسمي، فمنها ما يعود على الدولة كمؤسسة، ومنها ما يعود على أداء الشركات العاملة فى الاقتصاد الرسمي، ومنها ما يعود على الأفراد العاملين بالقطاع غير الرسمي، ومنها ما يعود على المجتمع ككل سواء كمستهلكين أو سكان محيطين ببعض الكيانات العاملة فى الاقتصاد غير الرسمي، وخاصة تلك العاملة فى قطاع الصناعة.

وفيما يلى تناول لبعض هذه السلبيات:



• ضياع جزء لا يستهان به من الإيرادات على الخزانة العامة للدولة، سواء المتعلقة بالتهرب الضريبى أو تلك المتعلقة برسوم التراخيص وتقديم الخدمات الحكومية. وتقدر المبالغ الخاصة بالتهرب الضريبى للاقتصاد غير الرسمى بنحو 150 مليار جنيه مصري. فالمؤسسات العاملة فى الاقتصاد غير الرسمى لا تقدم فواتير لزبائنها، وهى بالضرورة لا تحصل على فواتير لمشترياتها، حتى لا يستدل عليها لدى مصلحة الضرائب. وتتبين أهمية هذه المبالغ إذا ما علمنا أن الحصيلة الضريبية فى مصر لا تزيد عن 260 مليار جنيه سنويًا.

• مخالفة شروط السلامة والصحة فى مؤسسات الاقتصاد غير الرسمي، فلا تتوفر الشروط الصحية لدى العاملين بهذا القطاع، ولا تخضع مستلزمات الإنتاج للشروط الصحية التى تشرف عليها جهات رسمية من قبل الحكومة بشكل منتظم أو فجائي، وفى الغالب يتم تجاوز الشروط الصحية بغية توفير التكاليف، ولكن فى النهاية يتحمل المستهلك هذه المخاطرة، ويتكبد المجتمع تكاليف العلاج ومواجهة العديد من الأمراض.

• تُعد حقوق العاملين الضائعة أبرز السلبيات بمؤسسات الاقتصاد غير الرسمي، بدءا من اختيار العاملين من حيث العمر، إذ لا تمانع هذه المؤسسات فى تشغيل الأطفال، كما لا تلتزم بالتواجد فى المناطق الصناعية المعدة لذلك والتى تتوافر بها مواصفات الأمن الصناعي، فيخضع العاملون لظروف عمل غير مناسبة مما يعرضهم لكثير من الأمراض، كما لا يتمتعون بأية نوع من الحماية سواء كان على شكل تأمين صحى أو اجتماعي. كما يخضعون لساعات عمل أطول، وبأجور متدنية مقارنة لما عليه الوضع فى الاقتصاد الرسمي.

• إضعاف منافسة الاقتصاد الرسمي، إذ عادة ما يعتمد الاقتصاد غير الرسمى على السلع المهربة من الداخل أو الخارج، فيتم عرض سلع الاقتصاد غير المنظم بأسعار تقل بفارق ملحوظ عن نظيرتها المنتجة فى الاقتصاد الرسمي، فيضعف ذلك من قدرة منافسة الاقتصاد الرسمي، وهنا باب آخر للإضرار بحصيلة الإيرادات العامة للدولة، حيث تكون السلع المهربة غير خاضعة لرسوم الجمارك.

• قيام منشآت الاقتصاد غير الرسمى بممارسة نشاطها وسط التجمعات السكانية عادة ما يضر بالسكان والمرافق العامة، حيث تكون المرافق مصممة على خدمة مناطق سكانية وليس مناطق صناعية. فتختلف طبيعة المخلفات، كما أن بعض الصناعات يكون لها عوادم كربونية فى الهواء فتؤدى إلى تلوث هواء المناطق السكانية. وقد لوحظ أن هذه المنشآت كانت أحد الأسباب الرئيسية فى تلوث مياه نهر النيل، لأنها تقوم بأعمال صرف مباشرة على النهر دون إجراء أى معالجات لصرف مخلفاتها، مما ترتب عليه ارتفاع معدلات تلوث مياه النيل.

• تقدير حديث لاتحاد الصناعات المصرية يقدر حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر بنحو تريليون جنيه.

لذلك كله... كان لزاما علينا التقدم بمشروع قانون، يحتوى على مجموعة من الحلول التى تساعد على استيعاب هذا النشاط وتحويل الجزء الأكبر منه إلى الاقتصاد الرسمي، وتتبلور فى ما يلي:
1ـ يجب ألا ينظر إلى إصلاح الاقتصاد غير الرسمى من منطق الجباية وتحسين الحصيلة الضريبة للبلاد فقط، ولكن لابد من الأخذ فى الاعتبار أن هذا القطاع يعد المشغل الأكبر فى سوق العمل المصري. فحسب دراسات أجريت منذ سنتين، تبين أن الاقتصاد غير الرسمى يوظف نحو 73% من الداخلين الجدد إلى سوق العمل المصري، وبالتالى لا بد من إشراك العاملين فى هذا القطاع والاستماع إليهم فى الإجراءات التى يقترح أن يتم التعامل بها معهم لضمهم إلى الاقتصاد الرسمي.
2ـ تيسير إجراءات الترخيص، وخفض الرسوم الخاصة بمنشآت الاقتصاد غير الرسمي، حتى يتنسى لهذه المنشآت أن تنضم إلى الاقتصاد الرسمي، وتقديم بعض الحوافز من قبل الحكومة، مثل تخفيض التأمينات الاجتماعية للعاملين بنسبة 30 إلى 50%، على أن تتحمل الحكومة من موازنتها هذه التخفيضات، وعلى أن تكون لفترات محددة، حتى يتم تشجيع هذه المؤسسات على توفير حماية للعاملين لديها على الجانب الصحى والاجتماعي.
3ـ تفعيل دور الأجهزة الرقابية بشكل أكبر، وعودة الأجهزة الأمنية لممارسة دورها المنوط بها فى مساعدة الأجهزة الرقابية فى القيام بدورها لمنع الممارسات الخاطئة من قبل مؤسسات الاقتصاد غير الرسمي. ومن جهة أخرى لا بد من تفعيل دور المجتمع الأهلي، وتشجيع جمعيات حماية المستهلك، والجهاز الحكومى المعنى بهذا الجانب بتوعية المجتمع بخطورة غياب اشتراطات الصحة والسلامة لمنتجات الاقتصاد غير الرسمي.
4ـ تخفيض هوامش الضرائب على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تمثل غالب نشاط الاقتصاد غير الرسمي، حتى يتمكن أصحاب هذه المنشآت من الانتقال إلى الاقتصاد الرسمي، وأن تتوفر خدمات مصلحة الضرائب ومأموريها بالأسواق التى تنتشر فيها أنشطة الاقتصاد غير الرسمي، وتتبع أطراف التعامل فيها حتى يمكن ضمهم إلى المجتمع الضريبي.
5ـ ثمة عامل نفسى مهم هو إيصال رسالة إلى العاملين بالاقتصاد غير الرسمي، بأن الدولة ليست ضدهم وأنها لا تطاردهم، ولكنها تسعى لتقنين وضعهم وإدخالهم إلى منظومة الاقتصاد القومي، وأنها ستكون فى خدمتهم عبر أجهزتها ومؤسساتها المتعددة.


print