كتب لؤى على
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الإلحاد يعنى نفى الإله، وعدم الاعتراف بوجود الله تعالى، ويترتب على ذلك عدم الاعتراف بوجود الدين؛ لأن الدين مرتبطٌ بالإله دائمًا، والملحد حينما ينفى وجود إله، ويستبعده من على طاولة البحث هو مضطرٌ لأَنْ لا يُوجِد بدائل وإلاَّ كيف يُفسر نشأة الكون، مؤكدًا أن الملحد يرفض الاحتكام إلى عقله ليعرف مَن المدبِّر والمحرِّك والخالق لهذا الكون، وهو فى الوقت ذاته يرضى أن يركن إلى لانهائيات من الأوهام، وأن تكون هناك مادة عمياء صماء بكماء هى وراء هذا الكون الملئ بالعلم والحكمة والضبط والمعارف التى تثبت وجود ذات قادرة عالمة تحركه.
وأضاف فى حلقة أمس، من برنامجه (الإمام الطيب)، الذى يذاع يوميًّا طوال شهر رمضان المعظَّم على التليفزيون المصرى، وعدد من القنوات الفضائية، أن الإلحاد هو الانحراف عن الحق إلى الباطل، وعن الهُدَى إلى الضلال، وعن الطريق المستقيم إلى الطريق المعوج، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا" فمَن لا يؤمن بالله فهو ملحدٌ، ومَن لا يؤمن بالأديان فهو ملحدٌ، موضحًا أنَّ مَن يعبدون أربابا غير الله؛ كعُبَّاد الأوثان وعُبَّاد الحيوانات، هؤلاء يُسَمَّون وثنيين أو مشركين؛ لأنهم لم يعبدوا الربَّ الذى تحدثت عنه الأديان السماوية أو الكتب السماوية، ولذلك فإن الملحد هو الذى لا يؤمن بإله سواء أكان هذا الإله هو الله كما تحدثت عنه الأديان أو هو الإله الوثن أو غير ذلك من الآلهة التى تعبد من دون الله.
وأكد الإمام الأكبر، أن النقطة المركزية فى فلسفة الملحدين - إذا صح أن لهم فلسفة - هى أنهم ينكرون الأديان، ويقولون إنها من صنع البشر، وفى معرض الرد على هذه الفلسفة طرح فضيلته سؤالًا: إذا كان الدين كما تقولون فكيف نشأ إذًا؟! وكيف هو موجود؟ وكيف يدير ويحكم هذه الملايين من عقول المفكرين والعلماء؟! واستكمل الرد قائلًا: إن الدين شىء قديم، وموجود ومستمر، وهو يغزو عقول العلماء المتخصصين فى أدق العلوم الحديثة أو الكونية، فلا بد لهم من أن يفسروا هذه الظاهرة، مبينًا أن الإلحاد قبل القرن الثامن عشر كان إلحادًا فرديًّا، لكن بعد ذلك نشأ الإلحاد الفكرى المنظم الممنهج نتيجة لظروف كثيرة سنذكرها، أهمها: انحراف رجال الدين فى ذلك الوقت، وتقديم الدين على أنه سلطة مطلقة، وإلزام العلماء أن يخضعوا للنصوص المقدسة، وبالتالى ظهرت تفسيرات علمية تخالف نصوص الكتاب المقدس، جعلت الناس يديرون ظهورهم للدين ثم شيئا فشىء يكذبونه ويلجأون إلى العلم، وأصبحت المؤسسات الدينية تساند القصور والحكام والإقطاع ضد الجموع البائسة والفقيرة، إضافة إلى أن ظهور العلم فى القرن الثامن عشر وتفسير العلماء للظواهر الكونية تفسيرًا علميا جعل الدين - كما يفسرونه - نقيضًا للعلم كما أصبح ظهيرًا للظالمين.
وفرق شيخ الأزهر بين الإلحاد والعلمانية، وأوضح أن العلمانية هى فصل الدين عن الدولة، بمعنى أنَّ الدين لا يقود الدولة، ولا يتدخل فى حياة الإنسان ولا فى الأنظمة، ولا فى توجيه الناس، وهذا لا يستلزم إنكار وجود الله؛ لأن الإلحاد هو إنكار لوجود الله، والعلمانى قد يكون متدينًا، خاصة مَن يسمون أنفسهم بالعلمانيين المسلمين، فهم مسلمون متديِّنون، وكثير منهم يصلى ويصوم، لكنهم غير مقتنعين أن يكون فى هذا العصر حرام وحلال، مضيفًا أن مَن أنكر أصول الدين - ما عُلم مِن الدِّين بالضرورة - وانطلق فى دعوته لعزل الدِّين عن المجتمع بأن يقول هذا الدين "مصلحة وانتهت" وليس حقيقة فهذا ملحد.
واختتم الإمام الأكبر حديثه أن الإلحاد موجود قبل الإسلام، حيث كان الدهرِّيُّون الذين أشار إليهم القرآن الكريم فى قول الله تعالى فى سورة الجاثية "مَا هِى إلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلاَّ الدَّهْرُ" ينكرون وجود إله يُهلك ويحى ويميت، وينسبون الإحياء والإماتة والإهلاك إلى الدهر، كما أنه وُجِدَ فى الفلسفات القديمة، فالفيلسوف اليونانى (ديموقريط) يعد رأسًا فى الإلحاد، وقد كان يفسر عملية الكون والفساد تبعا لنظريته الذرية، ويرى أنه باتحاد الذرَّات ينشأ الكون، وبافتراقها يتم فساده وزواله، فالذرات حين تجتمع تتكون الأشياء ويتكون الإنسان.