تهتم مراكز الفكر والأبحاث المصرية بالانتخابات البرلمانية الراهنة ومجلس النواب القادم باعتباره الجهة التى تتسلم سلطة التشريع والمنوط بها إقرار قوانين اقتصادية تعمل على تحسين الأزمات التى تمر بها قطاعات الاقتصاد المصرى.
وفى دراسة حديثة نشرها مؤخرا المركز الإقليمى للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة، حاول الباحثان إبراهيم إبراهيم الغيطانى، وريم سليم، الإجابة على سؤال: هل يُصحح البرلمان المقبل مسار الاقتصاد المصرى؟
نص الدراسة
تطرح الانتخابات البرلمانية التى تُجرَى بمصر على مدار ثلاثة أشهر، العديد من التساؤلات حول تأثير تشكيل البرلمان على مجمل الأداء الاقتصادي. ومنذ أن يبدأ البرلمان الجديد دورته التشريعية ستكون مصر بذلك استكملت خارطة الطريق السياسى المخطط لها عقب ثورة يونيو 2013. وبحسب الدستور المصرى الذى أُقر فى يناير 2014، سيتولى مجلس النواب الرقابة على أداء الحكومة، والموافقة على التوجهات الاقتصادية العامة، وكذلك القروض الدولية، يُضاف إلى ذلك ما ينتظر منه بالبت فى عدد من التشريعات الاقتصادية التى أثارت جدلا واسعًا داخل الأوساط الاقتصادية على مدار عقود.
وللعلم فإن تشكيل البرلمان سيزيل أحد الهموم الرئيسية لدى كثير من مؤسسات التمويل الدولية والمستثمرين الأجانب الذين تطلعوا إلى إنهاء مصر مرحلة التحول الديمقراطى ومن ثم تعزيز الاستقرار السياسى والاقتصادى بالبلاد. يبقى المحك الرئيسى فى قيام البرلمان بأدواره التقليدية -كما ذكرنا سابقًا- رهنًا بحدود العلاقة بين السلطة التشريعية الجديدة والسلطة التنفيذية، وفى هذا السياق يرجح بعض المراقبين أن ثمة تقاربًا كبيرًا سيجمع السلطتين، بما يعنى دعمًا برلمانيًّا للانحيازات الاقتصادية المطروحة سابقًا من قبل الحكومة المصرية، وعلى أية حال لا يمكننا التسليم بهذه الرؤية مطلقًا مع اختلاف التوجهات السياسية والاقتصادية المطروحة من قبل المرشحين كما يتبين. ونهاية يظل تشكيل البرلمان خطوة ضرورية نحو تهيئة بيئة ملائمة للاقتصاد المصرى ولكنها ليست كافية على أية حال.
أدوار تقليدية
كغيره من البرلمانات الأخرى حول العالم، سيكون البرلمان المصرى منوطًا به إقرار التشريعات الاقتصادية، ورقابة أداء السلطة التنفيذية. وفى هذا الصدد ينص الدستور المصرى فى المادة (101) على أن يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.
ومن ثم هناك الكثير من المهام التى ينتظرها البرلمان المقبل، فبحسب رئيس الوزراء المصرى الحالي، شريف إسماعيل، ستعرض الحكومة على المجلس البرنامج الاقتصادى للحكومة للبت فيه، وكما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى فإن تشكيل البرلمان لا يرتب بالضرورة استقالة الحكومة الراهنة، بينما سيكون أمامها التقدم ببرنامجها للبرلمان فور انعقاده.
من المهام الأخرى المنتظرة أمام البرلمان إعادة النظر فى التشريعات الاقتصادية المعيبة، فقد كان أحد تطلعات الحكومات التالية للثورة تعديل التشريعات الاقتصادية المثيرة للانتقاد. ومباشرة عقب تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى سدة الحكم أصدر قرارًا جمهوريًّا رقم 187 لسنة 2014، بتشكيل لجنة عليا للإصلاح التشريعى برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وانبثق عنها لجنة للتشريعات الاقتصادية.
وطبقًا لما أعلنه المستشار حسن بسيونى رئيس اللجنة فهناك نحو 65 ألف تشريع اقتصادى يدخل ضمن اختصاص اللجنة الفرعية، بعضها يواجه عورات ومن ثم بحاجة لتعديلات ملحة. كذلك، إذا ما انعقدت الدورة التشريعية الأولى للمجلس قبل حصول مصر على أية قروض جديدة، فسيكون أمام المجلس مهمة البت فى القروض الملحة التى تعتزم الحكومة المصرية اقتراضها، ومؤخرًا أعلنت الحكومة نيتها اقتراض قرض بقيمة 3 مليارات دولار من البنك الدولى على مدى 3 سنوات من أجل دعم الموازنة العامة، بالإضافة إلى 1.5 مليار إضافية من الصندوق الإفريقى لمساندة برامج التنمية.
تأثير إيجابي
دون شك سيمثل تشكيل البرلمان دعامةً أخرى لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، هذا بجانب مواصلة تحسين الأوضاع الأمنية، والاستقرار السياسي، والاستمرار بالإصلاحات الاقتصادية، ومن المحتمل أن يعمل على تيسير الأوضاع الاقتصادية على النحو الآتى:
1 ـ تسريع القروض الدولية
رهنت بعض مؤسسات التمويل الدولية تقديم قروض جديدة لمصر باستكمال خارطة الطريق السياسى بها بعد ثورة 30 يونيو، وكشفت وزارة التعاون الدولى بنهاية 2012 عن اشتراط الاتحاد الأوروبى استكمال مساعداته لمصر المخصصة بقيمة 5 مليارات يورو، باستكمال خارطة الطريق السياسية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
2 ـ إصلاح التشريعات
سيتولى البرلمان المقبل أجندة كبيرة من الإصلاحات التشريعية الاقتصادية المطروح تعديلها من قبل الحكومة، لعل أولها التعديلات المقترحة على الضريبة العامة على المبيعات، واستبدالها بنظام ضريبة القيمة المضافة، يُضاف إليها عدد من التشريعات التى تتطلب تعديلات ضرورية من أجل تعزيز مناخ الاستثمار، كقانون ضمانات وحوفز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997.
3 ـ ثقة المستثمرين
من دون شك فإن استكمال خارطة الطريق السياسى سيعمل على الاستقرار السياسى للبلاد، ودفع عملية التنمية السياسية، وهذا الاستقرار سيُهيئ لأوضاع اقتصادية أكثر جاذبية، بما سيؤثر على بث الثقة مجددًا من قبل المستثمرين الأجانب فى الاقتصاد المصري. وينتظر المستثمرون الأجانب والمحليون البت فى كثير من التشريعات الاقتصادية من قبل مجلس النواب المصرى.
مسار مشروط
فى غضون الأعوام الثلاثة الماضية، تبنت الحكومة المصرية برنامجًا للإصلاح الاقتصادى يقوم على محورين أساسيين هما: إعادة هيكلة الدعم المقدم للمواطنين فى عدد من السلع والخدمات العامة، وإجراء تعديلات واسعة على التشريعات الاقتصادية. وبالفعل أجرت خفضًا تدريجيًّا لدعم الوقود فى يوليو 2014، وخلال نفس العام أجرت زيادات متتالية على خدمات الكهرباء. وفى طور إعدادها لمؤتمر "مصر المستقبل: مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى" الذى انعقد بشرم الشيخ فى مارس الماضى، أقرت تشريعات جديدة لتنظيم إنتاج الكهرباء والطاقة المتجددة، وتعديلات على قانون الاستثمار.
واكب ذلك طرح الحكومة بعض المشروعات كبيرة الحجم، كالعاصمة الإدارية الجديدة، ومحور تنمية قناة السويس، والمثلث الذهبي، واستصلاح المليون فدان. وتأسيسًا على الإصلاحات الاقتصادية السابقة والدعم الخارجي، استعاد الاقتصاد المصرى عافيته مجددًا ليُحقق نموًّا بنسبة 4.7% خلال الفترة من يوليو-مارس من العام المالى 2014/2015 مقابل 1.6% خلال نفس الفترة من العام المالى الماضي. لكن هذا لا يعفى أن مخرجات النظام الاقتصادى لم تستطع إلى الآن معالجة بعض القضايا الجوهرية، كالبطالة، وضعف الموقف المالى الخارجي، وانخفاض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.
وفى ضوء تشكل البرلمان، فإن استكمال هذه الخطط الطموحة تظل رهن موافقة البرلمان الجديد. ويرجح الكثير من المراقبين أن الحكومة ستتمكن بسهولة من تمرير الإصلاحات الاقتصادية الجديدة دون معارضة واسعة، ويُبنى هذا الافتراض على أمرين رئيسيين هما: انحيازات أغلب المرشحين الفرديين أو القوائم الحزبية لتوجهات تحرير الاقتصاد، وثانيًا ثمة توقعات حول تقارب أيديولوجى بين العديد من المرشحين الفرديين المحتملين مع أطراف النظام السياسى الراهن.
وبناء عليه ستكون حدود العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية المحك الرئيسى فى تمرير السياسات الاقتصادية للحكومة، ولكن الأهم من إحداث هذا التوافق المثمر على أية حال، أن يسعى البرلمان إلى بناء سياسات اقتصادية تُعظم المصالح الاقتصادية المشتركة لكافة الأطراف: الحكومة والمواطنين والمستثمرين، وبما يحقق نموًّا شموليًّا لكافة أطراف المجتمع. ودون تحقق ذلك، ربما سنُعيد إنتاج سياسات اقتصادية مدعومة برلمانيًّا لصالح طرف على حساب آخر.
خلاصة
لا خلاف فى أن تشكيل البرلمان سيساهم من الناحية الشكلية -على أقل تقدير- فى الرقابة على الأداء الحكومي، وإقرار التشريعات، ما سينعكس على تعزيز الثقة بالاقتصاد المصري، ولكن ربما يبقى المحك الرئيسى فى ممارسة أدواره الفعلية، وتحديد توجهات اقتصادية فعالة تعزز النمو الشمولي، بحسب ما ستتجه العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية الجديدة.