عقب صدور قرار الدائرة 11 إرهاب بمحكمه جنايات القاهرة، والمنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، برئاسة المستشار محمد شرين فهمى، اليوم الأحد، بالإعدام شنقا لـ 20 متهما والمؤبد لـ 80 آخرين، السجن المشدد 15 عاما لـ 35 متهما، والسجن 10 سنوات لمتهم "حدث"، وبراءة 21 آخرين من ضمن 156 متهما فى قضية اقتحام مركز شرطة كرداسة وقتل مأمور القسم ،ونائبه و12 ضابطا وفرد شرطة، فى أعقاب فض اعتصامى رابعة والنهضة، والمعروفة إعلاميا بـ"مذبحة كرداسة".
يلقى "برلمانى" الضوء على شهداء كرداسة ويروى قصص بطولاتهم وحياتهم كالتالى:
الشهيد عامر عبد المقصود
عامر عبد المقصود، نائب مأمور مركز شرطة كرداسة كان لاعبًا محترفًا لكرة القدم،حيث لعب أول مرة كرة قدم فى 1980 مع نادى الترسانة وفاز ناديه بكأس مصر فى عام 1983، ولعب فى عام 1987 كأس الأمم الأفريقية، ووصلت إلى الدور ربع النهائى ضد الترجى الرياضى التونسى، كما لعب طوال مسيرته الكروية فى نفس النادى، وأعلن اعتزاله الكرة عام 1993، وأصبح ضابط شرطة مخلصا لوطنه، وفى 14 أغسطس من 2013 تعرض هو وزملاؤه للقتل من قبل مجموعة إرهابية فى قسم كرداسة.
اللواء محمد جبر مأمور مركز شرطة كرداسة
"أيوا يا فندم أنا موجود فى المركز" جملة كان يكررها اللواء محمد جبر، مأمور مركز شرطة كرداسة، والذى استشهد فى الأحداث الأخيرة، بصفة يومية، عندما تتصل به مديرية أمن الجيزة للاطمئنان على الأوضاع الأمنية بمدينة كرداسة، فكان يحضر منذ التاسعة صباحًا، ويرفض أن يغادر المركز مثل باقى زملائه فى وقت الرائحة ما بين الرابعة عصرًا وحتى التاسعة مساءً، وكان يواصل فترة عمله الصباحية بالمسائية، فيحضر من التاسعة صباحا، ويغادر المركز عندما تشير عقارب الساعة إلى الواحدة بعد منتصف الليل.
كان الشهيد لا يجلس على مكتبه كثيرًا ويتحرك داخل مبنى المركز بنشاط، ويستقل "بوكس" الشرطة ليلا لعمل دوريات أمنية بنفسه "أصل حياة الناس مسئولة مننا وإحنا بنعمل عشان نرضى ربنا"، هكذا كان يرد على الضباط والأفراد الصغار، عندما يسألونه عن سر إخلاصه فى عمله لهذه الدرجة، ويعود فى المساء إلى المركز، ويضع على وجهه نظارته الطبية، ويقلب فى المحاضر التى تم تسجيلها على مدار اليوم، ويفحصها، ويدون فى ورقة خارجية ملاحظته.
مجند صغير يقف أمام باب مكتبه بالطابق الثانى على يمين السلم، ينظم دخول المواطنين إليه لسماع شكواهم، فكان لا يمل ولا يهدأ له بال حتى يحل مشاكل الجميع، "احنا مهمتنا هنا نعمل كدا.. احنا مش بنمن على حد دا حقهم علينا" هكذا كان يؤكد لصغار الضباط، ويبنى بداخلهم حب العمل والتفانى فيه.
لا مكان للمحسوبية ولا الوساطة الكل سواسية أمام اللواء محمد جبر، دبلوماسيته فى الحل قد تنهى الخلاف بين المتنازعين، ويتنازل الطرفان عن المحضر، ويجتمع المتنازعون فى مكتب المأمور، يخرجوا وكأن المشكلة لم تكن، فصغار الضباط كانوا يقفون عن بعد يتعلمون من هذا الرجل كيف يدير الأمور، فهو الحزم الشديد فى عمله، المرن الدبلوماسى فى حديثه، ذو أخلاق عالية، يسأل عن الجميع، ويتصل من هاتفه الشخصى على صغار الأفراد عندما يعلم أن هناك مكروها أصابهم، ولا يغادر المركز حتى يطمئن على الجميع.
صوت القرآن الكريم هو الصوت الوحيد الذى يملأ جنبات مكتب "السيد المأمور" فلا يدير التلفاز إلا على قراءة القرآن الكريم، وعندما يسمع صوت الأذان يدلف إلى "المصلى" بالمركز، حيث يقف وسط أبنائه الأفراد يؤدى الصلوات.
دعا أبنائه قبل شهر رمضان لحضور حفل زفاف ابنته، وكان يحكى لهم عن استعداده لزواج ابنه، فكان لديه ولد وبنت، ويقول لهم: "هم دول اللى طلعت بيهم من الدنيا، واجتهد فى عملى حتى يبارك لى الله فيهم".
بصوت جهور يقول أثناء دخوله المركز فى الصباح الباكر: "شدوا حيلكم يا رجالة"، وابتسامته التى لا تفارق وجهه لن يراها أحد بعد استشهاده، حيث رحل الرجل، الذى فضل أن يموت شهيدا دون أن يترك مؤسسته الشرطية لخارجين عن القانون.
اتصلت به قبل الأحداث بأيام وسألته عن رد فعلهم حيال تعرضهم للهجوم، فأجابنى: "لن أترك المركز ولن أخرج منه إلا وأنا على نعش الموت، هاقول لربنا يوم القيامة إنى سيبت مكانى عشان خوفت على حياتى لا والله"، وبالفعل قال فصدق ووعد فأوفى، ولم يخرج إلا وهو شهيد تزفه الملائكة إلى الجنان.
وكان اللواء محمد جبر قد عمل كمأمور لقسم شرطة الواحات برتبة "عقيد" لعدة سنوات، ثم انتقل منها إلى مركز شرطة أبو النمرس، حيث كان له الأفضل فى ضبط العديد من الخارجين عن القانون والعناصر الإجرامية بمنطقة جنوب الجيزة، كما شارك فى الكشف عن غموض العديد من الجرائم الجنائية، ومن ثم تم ترقيته من رتبه عقيد إلى "عميد" ونقله إلى مركز شرطة كرداسة منذ قرابة 3 أعوام، حيث كانت هناك العديد من الجرائم الجنائية التى ظهرت فى كرداسة، وظهور عصابات المسجلين خطر والعناصر الإجرامية.
وكان لـ"جبر" باعًا طويلًا فى الجرائم الجنائية، حيث أسقط العديد من المتهمين، وتوصلت تحقيقاتها إلى نتائج طيبة، وكان محلًا للثقة من رؤسائه ومدراء مديرية أمن الجيزة الذين تعاقبوا خلال فترة عمله به، حيث تم تكريمه لأكثر من مرة بسبب نشاطه الدائم والمستمر، حتى قررت وزارة الداخلية تكريمه بمنحه رتبة "اللواء" فى فترة قصيرة بعد حصوله على رتبة "العميد"، ومن ثم تقرر نقله من منصب مأمور كرداسة، ليشغل منصب مساعد مدير الأمن بعد حصوله على رتبة "اللواء"، وكان من المقرر أن يغادر "جبر" مركز شرطة لاستلام منصبه خلال أيام، إلا أن اندلاع الأحداث أخر وجوده بالمركز، فاستشهد بداخله، قبل أن يتركه.
النقيب هشام شتا
تخرج النقيب هشام شتا فى 2009، وعمل كضابط نظامى فى مدينة السادس من أكتوبر، إلا أنه شارك فى العديد من وقائع ضبط الخارجين عن القانون، ومن ثم تم نقله لمركز كرداسة ليعمل فى المباحث كمعاون الرئيس المباحث المقدم ضياء رفعت.
كان شتا من الضباط المتدينين، والذى يرفض إغلاق القضايا، إلا إذا تأكد من ثبوت جميع أدلة الاتهام على المتهم، وكان عائدًا من الأراضى المقدسة عقب تأديته العمرة للعام الثانى على التوالى، حيث كان يحكى لزملائه روحانيات الأراضى المقدسة، وأنه دعا هناك لمصر أن يحفظها الله من كل سوء.
اللواء مصطفى الخطيب
عمل الخطيب كضابط نظامى فى قسم بولاق الدكرور، وكانت له كفاءات عالية، ومن ثم ترقى فى المناصب سريعا حتى أصبح مأمورًا لمركز شرطة أبو النمرس، ومنها مساعد فرقة شمال الجيزة، وتم تجديد الثقة له فترتين متتاليتين، نظرًا لمشاركته فى العديد من الحملات الأمنية الموفقة التى استهدفت البؤر الإجرامية.
كان معروفًا عنه نه ابن عائلة كبيرة، فهو من المنصورة وابن عم الكابتين محمود الخطيب نجم النادى الأهلى المعروف، ورفض أن يترك المركز للضباط والأفراد، وأصر على البقاء معهم، مؤكدًا لهم: "لنموت كلنا أو نعيش كلنا" حتى استشهد معهم.
النقيب محمد فاروق نصر الدين
تخرج النقيب فاروق سنة 2007 وعمل فى مديرية أمن قنا فور تخرجه مباشرة، وكان ضابطًا يمتلك كفاءات خاصة، وتم نقله بعد ذلك للمصنفات، ومنها إلى مديرية أمن الجيزة، حيث عمل بمركز شرطة كرداسة.
كان الشهيد فاروق يقطن بمنطقة الهرم وله أخ وأخت، وشارك فى تجهيز الأخيرة وزوجها منذ 3 أشهر، وكان يقول لزملائه بأنه أدى رسالته، وكان يستعد للزواج هو الآخر، حيث أكد لهم أنه سوف يقدم خطبته خلال أيام قبل استشهاده.
تامر سعيد
مخبر سرى بمركز شرطة كرداسة لا يتخطى عمره 25 سنة تزوج وأنجب ولدًا منذ أسبوع، وكان قد أحضر "حلاوة السبوع" لزملائه بالمركز حتى يفرحوا معه بمولده الجديد، وعندما حاصر الإخوان المركز رفض أن يغادره وانضم إلى الضباط والأفراد للدفاع عنه، فسحلوه خارج المركز، وطعنوه بآلات حادة حتى فارق الحياة.