فإذا كان الأمر كذلك، فإظهار الفرح بهم، وشكر الله تعالى على إرسالهم، والاحتفال والاحتفاء بهم؛ كل ذلك مشروع، بل هو من أنواع القرب التى يظهر فيها معنى الفرح والشكر لله على نعمه، وقد احتفل النبى صلى الله عليه وآله وسلم بيوم نجاة سيدنا موسى من فرعون بالصيام؛ فروى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما: أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوما -يعنى: عاشوراء-، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرا لله، فقال: «أنا أولى بموسى منهم» فصامه وأمر بصيامه. فلم يعد هذا الاشتراك فى الاحتفال بنجاة سيدنا موسى اشتراكا فى عقائد اليهود المخالفة لعقيدة الإسلام.
وبناء عليه: فاحتفال المسلمين بميلاد السيد المسيح من حيث هو: أمر مشروع لا حرمة فيه؛ لأنه تعبير عن الفرح به، كما أن فيه تأسيا بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم القائل فى حقه: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم فى الدنيا والآخرة، ليس بينى وبينه نبى» رواه البخارى.
هذا عن احتفال المسلمين بهذه الذكرى، أما تهنئة غير المسلمين من المواطنين الذين يعايشهم المسلم بما يحتفلون به؛ سواء فى هذه المناسبة أو فى غيرها؛ فلا مانع منها شرعا، خاصة إذا كان بينهم وبين المسلمين صلة رحم أو قرابة أو جوار أو زمالة أو غير ذلك من العلاقات الإنسانية، وخاصة إذا كانوا يبادلونهم التهنئة فى أعيادهم الإسلامية؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها﴾، وليس فى ذلك إقرار لهم على شيء من عقائدهم التى يخالفون فيها عقيدة الإسلام، بل هى من البر والإقساط الذى يحبه الله؛ قال تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾، فالآية تقرر مبدأ التعايش، وتبين أن صلة غير المسلمين، وبرهم، وصلتهم، وإهداءهم، وقبول الهدية منهم، والإحسان إليهم بوجه عام؛ كل هذا مستحب شرعا؛ يقول الإمام القرطبى فى "أحكام القرآن" (18/ 59، ط. دار الكتب المصرية): [قوله تعالى: ﴿أن تبروهم﴾.. أى لا ينهاكم الله عن أن تبروا الذين لم يقاتلوكم. ﴿وتقسطوا إليهم﴾أى تعطوهم قسطا من أموالكم على وجه الصلة.