هل الأزمة فى المترو أم الركاب؟.. كل تصريحات وزراء النقل، ومسؤولى مترو الأنفاق تذهب فى اتجاه واحد، هو أن خسائر المترو شهريًا تبلغ 20.5 مليون جنيه، بسبب الفرق بين القيمة الفعلية للتذكرة، وقيمة التذكرة التى تباع بها للجمهور، وأن الخسائر السنوية تصل إلى 250 مليون جنيه، ويأمل هؤلاء فى التغلب على هذه الخسائر برفع قيمة تذكرة المترو من جنيه إلى ثلاثة جنيهات، حتى يستمر المترو فى تقديم خدماته للجمهور، خاصة أن أكثر من 3 ملايين ونصف المليون مواطن أصبحوا يعتمدون عليه بشكل كلى فى تنقلاتهم اليومية.
قد يكون ما يقال صحيحًا، وإنه من الضرورى أن تبحث الحكومة عن موارد بديلة لوقف نزيف الخسائر والمديونيات المتراكمة على المترو، فضلاً عن حجم الرواتب الذى تتكبده الشركة شهريًا، لكن أليس من المنطقى أن يقبل مسؤولو النقل ومترو الأنفاق النقد الذاتى، وأن يحاولوا البحث عن الأسباب الخفية التى تقف خلف هذه الخسائر فى المرفق المهم جدًا.
باعتبارى من المعتمدين بشكل أساسى على مترو الأنفاق فى كل تنقلاتى وتحركاتى اليومية، أستطيع أن أضع أمام الحكومة مجموعة من الملاحظات التى تحتاج لتدخل وعلاج سريع، على الأقل ليكون مقبولاً رفع أسعار تذاكر المترو ما دام أن الخدمة المقدمة للجمهور مقبولة.
من أهم ما ألاحظه فى المترو أن غالبية العاملين فيه لا يرقون لدرجة التعامل المباشر مع الجمهور، فالتعالى هو اللغة السائدة بينهم، وأكثر من ذلك، فهم أول من يخالفون القواعد، فأصبح من الطبيعى أن تجد موظفًا يدخن السجائر داخل محطة، أو مجموعة من العمال والموظفين يتجمعون فى ركن داخل المحطة لتناول وجبة الإفطار أو الغذاء، والأكثر من ذلك هناك عدد من الشباب العاملين فى المترو أقصى ما يفعلونه هو الوقوف خلف ماكينات عبور الركاب دون سبب إلا المعاكسة فقط لا غير.
ومن الملاحظات المتكررة الأعطال الكثيرة لحركة القطارات، والتى للأسف لا حصر لها من كثرة تكرارها، وانقطاع الكابلات الكهربائية الهوائية المغذية لحركة سير القطارات، وسوء حالة ماكينات صرف التذاكر، وكذلك ماكينات مرور الركاب بصورة كارثية، وسوء تنظيم حركة الركاب، وكذلك عدم انتظام حضور المترو بتوقيتاته يؤدى لتكدس الركاب، وعدم وجود مسؤول استعلامات إلا فى محطتين أو ثلاث، والأكثر فداحة تواضع عربات المترو، سواء فى المقاعد أو التهوية أو الإضاءة، خاصة فى الخط الأول للمترو الذى يشهد يوميًا حالات إغماء بسبب الاختناق.
وفوق كل ذلك هناك حالة من عدم إدراك بين قيادات المترو لكيفية التعامل مع الجمهور، فقبل أسبوع تقريبًا فى حوالى الساعة الواحدة فجرًا تعطل المترو لأكثر من نصف ساعة، وكنت وقتها فى محطة «البحوث» بالجيزة، وتكدس المواطنون داخل المحطة منتظرين وصول المترو، دون أن يجدوا من يوضح لهم حقيقة ما يحدث، ومع تصاعد الغضب ظهر أحد مسؤولى المحطة، وحينما سأله الركاب عن السبب فى تأخر وصول المترو وهل هناك عطل، تفاجأ الجميع برد الموظف: «بطلوا أكاذيب مفيش عطل ولا حاجة، وبلاش شائعات مغرضة»، وما هى إلا دقائق حتى وصل المترو إلى المحطة، وطلب السائق من الركاب النزول لأن المترو به عطل.
المطلوب من وجهة نظرى إدارة جيدة للمترو، قبل الحديث عن زيادة أسعار التذاكر، لأن رفع الأسعار دون تحريك فى مستوى الخدمة ستقابله حالة من الغضب غير المطلوب حاليًا، ورفع مستوى الخدمة يتطلب الارتقاء بمستوى العاملين فى المترو، ليكونوا قادرين على إدارة هذا المرفق المهم، فإذا كانت وزارة النقل تشكو دومًا من ظاهرة هروب ركاب المترو وعدم شرائهم التذاكر، فالحل ليس فى رفع قيمة التذكرة، إنما أن يقوم موظفو المترو بأدوارهم بدلاً من حالة اللاعمل التى تسيطر عليهم الآن.
هناك مقترحات كثيرة يمكن التعويل عليها لحل مشكلة المترو، لكن تبقى الإدارة البشرية هى الأهم إذا كانت الحكومة لديها النية فى الحل.