حديث «الطيب» يعيد الاعتبار لعلى عبدالرازق لو قال أحد هذا الكلام غير الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، أحمد الطيب، لثارت الدنيا وما قعدت، بل لا أبالغ إذا قلت إنه ليس من المستبعد أن يكون مكانه الآن السجن، لكننا للأسف فى زحمة برامج المقالب وحواديت المسلسلات، تركنا هذا الكلام المهم، والتفتنا إلى ذقن محمد رمضان فى مسلسل الأسطورة، ونار رامز جلال فى مقالبه التى لا تنتهى.
حمل الإمام الطيب فى برنامجه المذاع على عدة فضائيات مفاجأة لجمهور المسلمين، برغم أن غالبية المثقفين أكدوها طوال السنين الماضية فرمتهم قوى الظلام بكل الاتهامات الباطلة، لكن تلك القوى كانت على موعد مع كلمات الطيب، التى وقعت عليهم كالصاعقة، وأوقعتهم فى مأزقين أساسيين، الأول سياسى، حيث كشفت زيف ادعاءاتهم وعمق أغراضهم بطنطنتهم بما يسمى «عودة الخلافة» التى يبغون منها الوصول إلى جنات الحكم فحسب، أما المأزق الثانى فهو مأزق فقهى، حيث لم يستطع أحد منهم الرد على الإمام الأكبر، رغم مرور أيام على هذا التصريح، وكيف يقفون أمام تصريح منسوب إلى أعلى رأس فى العالم الإسلامى، خاصة أنه تصريح جامع مانع، يجمع العلم والفقه فى آن ويمنع التقول والتزيد فى آن أيضا؟
قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر: إنَّ الخلافة لم يرد بها نص فى القرآن الكريم، وأن النبى صلى الله عليه وسلم ترك أمر الإمامة أو الخلافة للشورى، واختيار المسلمين، هكذا ببساطة ويسر، ودون تشنج أو انفعال يقر شيخنا الفاضل بالحقيقة التى ظلت عارية طوال كل هذه السنوات، لكننا آثرنا أن نضع الغشاوة على أعيننا فلا نرى بهاء تلك الحقيقة، ولا نستمتع بما أحله الله لنا من تدبر أمورنا، واختيار النظم السياسية الأصلح والأنفع للبلاد والعباد على حد سواء.
ولا يتوقف الإمام الطيب عن تفجير المفاجأة بعد المفاجأة، إذ أقر الإمام أيضا بأن «بعض أنظمة الخلافة الإسلامية لم تكن عادلة، وهذا لا مفرَّ من الاعتراف به، ولكن النموذج الأمثل عندنا هو الخلافة الراشدة خلافة أبى بكر، وعمر، وعثمان، حتى إن الشيخ على عبدالرازق لما طعن على الخلافة، وقال إنها استبداد، استثنى فترة الخلافة الراشدة، لأنها نموذج عجيب لم يتكرر، إذ لا يزال هو النموذج والمثال الذى نحلم به، ولا نحلم بالأمثلة الأخرى، لأنه لم يعد للمسلمين دولة واحدة جغرافيًّا، وإنما أصبحت دولًا، كما أن لكل دولة نمطًا معينًا من أنظمة الحكم».
يقودنا الإمام بهذه الكلمات المستبصرة الواعية إلى ثورة حقيقية على الكهنوت، فلا يتغافل فضيلته عن الحقائق كما يفعل المتأسلمون، ولا ينكر ما هو معلوم بالضرورة، وما هو راسخ فى الوعى والتاريخ والوثائق والمخطوطات، وهو بهذا الحديث الشجاع يعيد الاعتبار للشيخ على عبدالرازق، الذى قال كلاما مشابها لكلام الشيخ الطيب فى عشرينيات القرن المنصرم، فثارت الدنيا عليه بسبب رغبة بعض المتأسلمين فى إعادة نظام الخلافة بعد سقوطه فى تركيا ليتسيدوا على العباد، فألف تحية للإمام الجاد المجدد، وعلى بعض المتطرفين مراعاة فروق العصور.