التليفزيون ما زال له تأثيره الرهيب فى التثقيف
هل ستتوقف الجرائم والحوادث المشابهة لما جرى فى بعض أحداث مسلسل «الأسطورة» للفنان محمد رمضان؟
فى أقل من شهر وخلال عرض المسلسل فى أكثر من قناة تليفزيونية فضائية وزيادة نسب مشاهدته، وقعت عدة حوادث حقيقية فى أماكن متفرقة فى مصر على طريقة محمد رمضان مع أعدائه ومنافسيه فى المسلسل بتجريدهم من ملابسهم وإجبارهم على ارتداء ملابس نسائية داخلية. وقائع المسلسل التى تزخر بمشاهد العنف والدم والبلطجة وتحدى السلطة والقانون وضربه بعرض الحوائط، انتقلت بتفاصيلها البشعة إلى الشارع.. فى الفيوم وحلوان وأماكن أخرى فى مصر. من جردوا زوج ابنتهم فى الفيوم وألبسوه قميص نوم نسائى عقابا على تسريب مشاهد مخلة لزوجته، لم يفكروا فى القانون ولا الدولة، وإنما استدعوا قانون «الأسطورة» فى الجزاء والعقاب، فمحمد رمضان الذى يجسد شخصية ناصر الدسوقى، انتقم لزوجته «شهد» من أحد جيرانها وهو «مرسى»، عندما سرب صورها وهى بقميص النوم، فقام بضربه فى الشارع أمام الجيران وألبسه نفس قميص النوم الذى سربه.
ونفس الحال فى حلوان، فالمسجل الخطر استعان ببلطجية ومسجلين خطر للانتقام من الشخص الذى يتعرض لزوجته. استدعى البلطجية مشهد ناصر الدسوقى، وبدأوا تنفيذ أحداث المشهد الدرامى كما جاء فى المسلسل، وقاموا بالاعتداء على المسجل الذى تعرض للزوجة، والاعتداء عليه، ثم تجريده من ملابسه فى الشارع وارتدائه «قميص نوم».
الأسطورة تحول إلى حالة اجتماعية ونفسية لدى قطاع عريض من المصريين، وأصبح نموذجا للبطل الشعبى الحقيقى لدى الشباب، بكل ما يدعو له ويحرض عليه من عنف وبلطجة بعيدا عن سلطة المجتمع والدولة والقانون. قصة شعر ولحية محمد رمضان تحولت موضة بين الشباب، «تى شيرتات» الأسطورة.. فضائية الأسطورة، منتديات الأسطورة. وجه رمضان بملامحه وقسماته يتحول إلى ميدالية منحوتة يتداولها الشبان والفيات، المسلسل فاق نسب المشاهدة الطبيعية تقام له ساحات شعبية وشاشات عملاقة ليشاهده الآلاف، وتحول من مجرد متابعة إلى شغف ثم حالة إدمان وتعاطف مع شخصية الأسطورة البطل، بل تقديس له وتقليده، مشاهدة الأسطورة فاق مشاهدة مباريات منتخب مصر الوطنى ومباريات كأس العالم ومباريات كأس الأمم الأوروبية والكوبا أمريكا.
المسلسل أعاد مرة أخرى الأهمية والخطورة التى يمثلها التليفزيون على وعى وأخلاق المشاهدين، وكما قال أديبنا الكبير الراحل يوسف إدريس «أعطنى تليفزيوناً.. أصنع لك شعباً»، فقد صنع الأسطورة وعى شعب وأخلاق شعب بما يقدمه من قيم العنف وأخلاقيات البلطجة وتحدى القانون وعدم الثقة فى عدالة الدولة وهيبتها. فالتليفزيون ما زال له تأثيره الرهيب فى التثقيف وتشكيل الوعى الجمعى أما «وعى شمال» أو وعى مستقيم. والإعلام الفاسد يصنع شعبا جاهلا وبلا وعى.
والأسطورة نموذجا لذلك، فى ظل غياب مؤسسة الدولة الإعلامية، أقصد التليفزيون بكل إداراته عن الإنتاج التليفزيونى مثلما كان يحدث على أيام المرحوم ممدوح الليثى، والاكتفاء فقط بالفرجة، هكذا يتحول مسلسل رمضانى ربما لا يمثل للقائمين عليه سوى مصدر للعمل والربح والاعتماد على شعبية أبطاله، خاصة محمد رمضان فى موسم رمضان، إلى حالة كاشفة للشخصية المصرية وسيكولوجية المصريين.
هناك أزمة حقيقية مازلنا نعيشها، فالشخصية المصرية التى تعرضت لهزات وضربات نفسية واجتماعية مؤثرة فيها طوال 40 عاما، مازالت تبحث عن نفسها فى تيه الضياع وتلوذ فى هذه الحالة إلى التعويض والإسقاط فى شخصية تليفزيونية تخاطب شيئا ما فى داخلها.
نعيش سيكولوجية الأزمة ونموذج البطل الشعبى فى العلم والأخلاق مازالت ضائعة، والبطل البلطجى، الفاقد للأهلية والمسجل خطر والخارج عن القانون مازال هو النموذج الحاضر، وهنا مكمن الخطورة فى مرحلة نحتاج فيها إلى العلم والأخلاق فى بناء الدولة الجديدة، «فالعلم وحده ليس يكفى». هذا ما جناه الأسطورة على مصر.. فقد كشف عورات الشخصية المصرية التى مازالت تعانى من الاضطراب.