الوضع فى تركيا ما زال متفجرا
هكذا وبلا مقدمات وبلا تبريرات وبلا محاكمات، استخدم الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» لغة العصف بعد ساعات قليلة من فشل الانقلاب العسكرى على حكمه، بين أردوغان والقضاء التركى معركة طويلة وممتدة، منذ اتهامه ونجله بالفساد والإفساد قبل عامين، ومن اللافت للنظر أن الرئيس التركى الذى توعد الجيش بحركة تطهير واسعة، لم يمد يديه إلى الجيش، وإنما سارع إلى التخلص من مجموعة واسعة من القضاة الأتراك ليصل المجموع فى النهاية إلى حوالى 2750 قاضيا منهم 5 من المحكمة العليا التركية.
الخيال لا يستطيع أن يخبرنا بأسباب هذا العصف بالمؤسسة القضائية، والمعلومات المعلنة أيضا لا تستطيع، فيبدو أردوغان الآن كسائق سيارة يضغط على مفتاح الإشارة لينير مصباح الإشارة الأيسر، ثم يتجه بلا مقدمات نحو اليمين، ويبدو أيضا من ذلك الغبى الذى أضاع جنيها فى شارع مظلم، فمضى ليبحث عنه فى شارع مضاء، وهو ما تدلنا عليه تلك القرارات المبهمة، فكيف يكون الانقلاب نابعا من «الجيش» ثم يكون «التطهير» فى القضاء، وكيف يكون المتهمون بالانقلاب من أصحاب الزى العسكرى، ثم يعاقب عليها أصحاب أوشحة العدالة؟
نحن أمام انقلاب حقيقى الآن يقوده أردوغان على مؤسسات الحكم فى تركيا، وهو أمر متوقع وفقا لقاموس المفردات السياسية فى مثل تلك الظروف، فمعروف أن الرئيس التركى سيقوم بإجراءات يسميها مناصروه «إصلاحية» أو «تطهيرية»، لكنها فى الحقيقة ممارسات «استبدادية»، إذ تأتى الفرصة الآن مواتية تماما لفعل كل ما يبتغيه «أدروغان» وحزبه، بداية من الانتقام من مناوئيهم، وحتى الانتقام من علمانية تركيا، وهذا هو الانقلاب الذى أعقب الانقلاب.
السؤال الآن، هل سيستطيع الرئيس التركى إحكام السيطرة على البلاد وفرض الاستقرار كما كان فى السابق؟ وفى الحقيقة فإنه لا وجود هنا للإجابات القاطعة، لكن ما لا يمكن إنكاره أن مسببات الانقلاب العسكرى ما زالت حاضرة، كما أن إجراءات أردوغان الاستبدادية ستعمق من الشعور العام بالكراهية لحكمه، وما لا يمكن إنكاره أيضا أن قطاعات كبيرة من الجيش التركى- غير المؤيدة للانقلاب- تشعر بالإهانة البالغة لما تم فعله بسمعة الجيش التركى وهيبة الزى العسكرى، الذى أهين على قارعة الطريق، كما أن مشهد الاعتقالات التى قامت بها الشرطة المدنية لقادة وجنود الانقلاب لن يمحى من ذاكرة الجيش التركى بسهولة، ولا أبالغ إذا قلت إنه سيتسبب فى حالة احتقان حقيقية بين مؤسسة الجيش برمتها ومؤسسة الشرطة برمتها، وإذا أضفنا إلى هذا حالة الاحتقان الحاصلة فى أوساط القضاء والصحافة والإعلام والشباب والمفكرين والفنانين وأحزاب المعارضة، سنكون أمام مشهد متفجر، ينبئ بأن هناك الكثير من السيناريوهات غير المتوقعة ستصبح «متوقعة» بعد قليل، وليس ببعيد أن يعقب انقلاب أردوغان على انقلاب الجيش انقلابات أخرى أكثر إحكاما وأشد فتكا، ووقتها لن ينفع أردوغان تكاتف مزعوم من أنصاره فى الداخل، أو صفقات دولية مع أنصاره فى الخارج.