لا أدرى لماذا يتعامل المجلس الأعلى للصحافة، والقائمون على أمر تنظيم عمل الصحافة فى مصر، مع الصحافة الحزبية والخاصة، بما تحتويه من إصدارات وصحفيين، على أساس أنهما (ابن غير شرعى) لا تقع عليها مسئولية رعايتهما، أو مناقشة مشكلاتهما ومشكلات من يعملون بهما؟ على الرغم من الطفرة النوعية والتطور الهائل، الذى أحدثته تلك الصحف من تطور فى شكل ومضمون الصحافة المصرية، بدليل الكم الهائل من التوزيع، والضربات والانفرادات الصحفية، التى حققتها وتحققها كل يوم، مقارنة بعشرات الإصدارات القومية العاجزة، التى تحقق سنويا خسائر فادحة، وتدعمها الدولة سنويا بعشرات المليارات من الجنيهات، ودون أن يجرؤ أحد على الاقتراب من ذلك الملف الشائك، بل على العكس حظيت تلك المؤسسات الصحفية القومية والعاملون فيها بكل رعاية ودعم وامتيازات من الدولة.
ولست هنا بالطبع بصدد تقييم أداء الزملاء بالصحف القومية، أو المطالبة بمنع امتيازات يحصلون عليها، ولكن مطالبة المجلس الأعلى للصحافة والقائمين على أمر الصحافة بـ (المساواة فى الحقوق والواجبات بين كل من يعملون فى بلاط صاحبة الجلالة).
فهل من العدل أن تنتهى اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية، المعنية بوضع مشروع (قانون تنظيم الصحافة والإعلام)، الذى رفعت مسودته النهائية منذ فترة إلى مجلس الوزراء، تمهيدًا لرفعه إلى رئيس الجمهورية للموافقة عليه، دون أن تضع مادة واحدة من بين 207 مواد تتحدث أو تتعلق بالصحافة الحزبية أو الخاصة، أو العاملين بها، فى الوقت الذى وضعت فيه ما يزيد على الـ 50 مادة تناقش جميعها أمر الصحافة القومية والعاملين بها.
هل من المنطقى، أن تتجاهل الدولة أمر الصحف الحزبية العملاقة، التى كان لها باع، مثل (العربى والأحرار)، والتى أغلقت منذ سنوات لأسباب مادية وخلافات حزبية، وتم تشريد الصحفيين والعاملين فيها لأسباب لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد، ومازالت الدولة تتجاهلهم كل هذه السنوات، وتركتهم فى مواجهة نقابة الصحفيين، التى لا تمتلك أدنى سلطة لتدبير فرص عمل لهم، فى الوقت الذى كان لتلك الصحف الفضل فى تطوير الكثير من القوالب الصحفية الجامدة فى الصحافة المصرية، وإفراز العشرات من أكفأ وأفضل الصحفيين المصريين.
والغريب فى الأمر، والذى لا يعيه القائمون على أمر المجلس الأعلى للصحافة، أن تلك الصحف التى يتنصلون من مسئولياتها ومسئولية العاملين بها، والتى وصلت أحوالهم المعيشية إلى درجة لا يرضى عنها (كافر) أن تلك الصحف كانت جزءًا من (النظام)، وأنها خرجت بموجب (قانون الأحزاب) القديم فى عهد مبارك، والذى منح تلك الأحزاب التى كانت تتبع مباشرة لـ(مجلس الشورى) الحق فى إصدار تلك الصحف، والتى صدرت أيضًا بموجب تراخيص من (المجلس الأعلى للصحافة)، الذى كان يتبع أيضًا لـ(مجلس الشورى) والآن تتنصل الدولة، التى وضعت هذا النظام من مسئولياتها تجاه تلك الصحف المتعثرة والعاملين بها، وتعتبرهم (ابن غير شرعى) ليس عليها أى مسئوليات تجاهه، بدلا من طرح تشريعات تحميهم فى حاله أو انهيار تلك الأحزاب، أو إفلاس تلك الصحف.. دون وعى أن الدستور الجديد قد منح الحق للجميع فى إنشاء أحزاب بمجرد (الإخطار) ومنح لتلك الأحزاب الحق فى إصدار صحف (دون ضوابط) وفى الوقت الذى اقترب فيه عدد الأحزاب من الـ 100 حزب، ومن حق كل حزب أن يصدر صحيفة أو أكثر، وتعين المئات من الشباب، والدفع بهم للالتحاق بنقابة الصحفيين.. وفى حالة إغلاق تلك الصحف، أو انهيار الحزب، لا حقوق ولا ضمان لهؤلاء، مثلما حدث مع صحفيين (العربى والأحرار والغد) وغيرها من المتعطلين عن العمل رغم أنفهم.
أليس من المستغرب أن يتجاهل القانون الجديد أمر الصحفيين بالصحف الخاصة وتركهم دون حقوق تحميهم فى حالة تصفية تلك الكيانات، على الرغم من أن الدولة منحت الحق للمستثمرين فى إصدار تراخيص لتلك الصحف بموجب (قانون الاستثمار)، وبعد موافقة (المجلس الأعلى للصحافة) خاصة أن المؤشرات تؤكد أن هناك اتجاهًا لدى العديد من ملاك تلك الصحف نحو الانسحاب والتصفية بحكم ما يشهده سوق الإعلام من خسائر.
هل من الطبيعى أن تفرق الدولة بين من يعملون فى المهنة الواحدة، وينتمون إلى نقابة واحدة لمجرد أن هذا يعمل فى مؤسسة قومية، وهذا يعمل فى مؤسسة صحفية حزبية أو خاصة، حيث يمنح المجلس الأعلى للصحافة، للصحفى، الذى يعمل فى مؤسسة قومية، عند بلوغه سن المعاش ما يقرب من 80 شهرًا (مكافأة نهاية خدمة)، فى حين تعامل الصحفيون، الذين يعملون فى مؤسسات صحفية حزبية أو خاصة وكأنهم (عمال تراحيل) ولا حقوق لهم.
أؤكد أن اللجنة الوطنية، التى وضعت مسودة قانون تنظيم الصحافة والإعلام، قد غاب عنها أمر الصحافة الحزبية والخاصة والعاملين بهما، وأنها تعاملت مع الأمر على أساس أنه لا صحافة ولا صحفيين فى مصر سوى فى المؤسسات الصحفية القومية، وأن أى إصدارات أو صحفيين خارج هذا الإطار هو (ابن غير شرعى للصحافة المصرية) عليه الالتزام بكل ما تقره الدولة من محظورات قوانين النشر والإرهاب، دون أن يكون لهم الحق فى تشريعات تحميهم وتكفل لهم حقوقًا، كما هو متبع مع زملائهم فى الصحف القومية.
أتمنى ألا يقدم الرئيس على اعتماد مشروع القانون، وتركه ليحظى بدراسة أكبر من نواب البرلمان القادم، لعلهم ينصفون الصحفيين بالصحف الحزبية والخاصة، الذين تجاهلتهم اللجنة الوطنية، التى وضعت مشروع القانون الحالى.