ثم جاء دور ما تبقى من حصون الأندلس، جاء دور غرناطة، وجمع فرديناند جموعه للتوجه نحو غرناطة، فظهرت خيانة جديدة من أبى عبدالله محمد الثالث عشر المعروف بـ«الزغل» لابن أخيه الملك أبى عبدالله الصغير طمعاً فى الملك، فكان سبباً فى إضعاف المملكة وجعلها فريسة لمملكتى قشتالة وأرجون، لكن جرت الرياح بما لم تشتهيه السفن، فأهل غرناطة له كارهون وباسم ابن أخيه يهتفون، فما كان منه إلا أن أخذ أمواله وحشمه وخدمه متوجهاً إلى المغرب ليعيش عيشة هنية بما أخذه معه من مال وجوار وخدم، لكن حاكم فاس سرعان ما ألقى القبض عليه وجرده من كل ما يملك، فسملت عيناه وألقى به فى السجن ثم أطلق سراحه بعد ذلك، فعاش متسولاً منبوذاً حتى مات، وهو ما أكده الدكتور أبو اليسر رشيد كهوس فى بحثه الذى حمل عنوان «عوامل سقوط الأندلس.. دراسة تحت مجهر السنن الاجتماعية».
واشتد الحصار على غرناطة واستسلم الملك الصغير ومن معه من قادة الجيش وعلماء السوء إلا وزيره موسى الشهم، فكان استشهاد موسى بن أبى غسان وتسليم الملك الصغير غرناطة للملكين «فرناندو الخامس» و«إيزابيلا»، إيذاناً بانتهاء عصر حكم المسلمين فى غرناطة، وبسقوطها ينتهى حكم المسلمين بالأندلس.
أعطى أبو عبدالله محمد الثانى عشر الموافقة بالتسليم، ولم ينسَ أن يرسل إليهما بعضاً من الهدايا الخاصة، وبعد التسليم بأيام يدخل الملكان فى خيلاء قصر الحمراء الكبير ومعهما الرهبان، وفى أول عمل رسمى يقومون بتعليق صليب فضى كبير فوق برج القصر الأعلى، ويُعلن من فوق هذا البرج أن غرناطة أصبحت تابعة للملكين الكاثوليكيين، وأن حكم المسلمين قد انتهى من بلاد الأندلس.
خرج آخر ملوك المسلمين أبو عبدالله محمد بن الأحمر الصغير من القصر الملكى فى نكسة كبيرة وفى ذل وصغار، يسير بعيداً فى اتجاه بلدة «أندرش»، حتى وصل إلى ربوة عالية تُطل على قصر الحمراء يتطلع منها إليه، وإلى ذاك المجد الذى قد ولَّى، وبحزن وأسى قد تبدّى عليه لم يستطع فيه الصغير أن يتمالك نفسه، انطلق يبكى حتى بللت دموعه لحيته، حتى قالت له أمه «عائشة الحرة»: أجل، فلتبكِ كالنساء مُلْكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال. لم تنته الماساه وللحديث بقية إن شاء الله.