كما تضمنت المعاهدة تسليم مملكة غرناطة للإسبان ثمانية وستين بنداً منها تأمين الصغير والكبير على النفس والمال والأهل، وإبقاء الناس فى أماكنهم ودورهم وعقارهم، وأن تبقى لهم شريعتهم يتقاضون فيها، وأن تبقى لهم مساجدهم وأوقافهم، وألا يدخل الكاثوليك دار مسلم، وألا يغصبوا أحداً، وألا يولى على المسلمين إلا مسلم، وأن يُطلق سراح جميع الأسرى المسلمين، وألا يؤخذ أحد بذنب غيره، وألا يُرغم من أسلم من الكاثوليك على العودة إلى دينه، وألا يعاقب أحد على الجرائم التى وقعت ضد الكاثوليكية فى زمن الحرب، وألا يدخل الجنود الإسبان إلى المساجد، ولا يلزم المسلم بوضع علامة مميزة، ولا يمنع مؤذن ولا مصل ولا صائم من أمور دينه.
وقد وقع على المعاهدة الملك الإسبانى والبابا فى روما، وكان التوقيعان كافيان لكى تكون المعاهدة ضمانة للمسلمين فى إسبانيا، وبناء على هذه المعاهدة خرج أبو عبدالله بن أبى الحسن، ملك غرناطة، صباح يوم 2/1/1492م، من قصر الحمراء وهو يبكى كالنساء، حاملاً مفاتيح مدينته وملكه الزائل، فأعطاها الملكة إيزابيلا وزوجها فرديناند.
الذى حدث أنه فور دخول الإسبان إلى غرناطة نقضوا المعاهدة التى أبرموها مع حكامها المسلمين، إذ كان أول عمل قام به الكاردينال مندوسيه عند دخول الحمراء، هو نصب الصليب فوق أعلى أبراجها وترتيل صلاة الحمد الكاثوليكية، وبعد أيام عدة أرسل أسقف غرناطة رسالة عاجلة للملك الإسبانى يعلمه فيها أنه قد أخذ على عاتقه حمل المسلمين فى غرناطة وغيرها من مدن إسبانيا، على أن يصبحوا كاثوليكًا، وذلك تنفيذًا لرغبة السيد المسيح الذى ظهر له وأمره بذلك كما ادَّعى.
فأقره الملك على أن يفعل ما يشاء لتنفيذ رغبة السيد المسيح، عندها بادر الأسقف إلى احتلال المساجد ومصادرة أوقافها، وأمر بتحويل المسجد الجامع فى غرناطة إلى كنيسة، فثار المسلمون هناك دفاعًا عن مساجدهم، لكن ثورتهم قمعت بوحشية مطلقة، وتم إعدام مائتين من رجال الدين المسلمين حرقًا فى الساحة الرئيسية بتهمة مقاومة المسيحية.
وظهرت محاكم التفتيش تبحث عن كل مسلم لتحاكمه على عدم تنصره، فهام المسلمون على وجوههم فى الجبال، وأصدرت محاكم التفتيش الإسبانية تعليماتها للكاردينال سيسزوس لتنصير بقية المسلمين فى إسبانيا، والعمل السريع على إجبارهم على أن يكونوا نصارى. وغدا نستكمل المأساة أو الكارثة.