فى حمأة تلك الحملة الظالمة على المسلمين، كما رأينا، تم تشكيل محاكم التفتيش، التى مهمتها التأكد من «كثلكة» المسلمين، وقد تبين للمحاكم أن كل أعمال «الكثلكة» لم تؤت نفعًا، فقد تكثلك المسلمون ظاهرًا، ولكنهم فعليًّا يمارسون الشعائر الإسلامية، فيما بينهم سرًّا، ويتزوجون على الطريقة الإسلامية، ويرفضون شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ويتلون القرآن فى مجالسهم الخاصة ويقومون بنسخه وتداوله فيما بينهم، بل إنهم فى منطقة بلنسية أدخلوا عددًا من الكاثوليك الإسبان فى الإسلام وعلموهم اللغة العربية والشعائر الإسلامية.
لقد جاءت تقارير محاكم التفتيش- كما رصدها الدكتور راغب السرجانى فى بحثه الرائع عن محاكم التفتيش- صاعقة على رأس الكاردينال والملك الإسبانى والبابا، فى أحد التقارير، التى رفعها أسقف غرناطة الموكل بتنصير مسلمى غرناطة للكاردينال، ورد أن الموريسكوس لم يتراجعوا خطوة واحدة عن الإسلام، وأنه لم يتم إيجاد طرق فاعلة لوقفهم، وإن لم يتم إيجاد تلك الوسائل فإنهم سيدخلون مسيحيى غرناطة وبلنسية ومدن أخرى فى الإسلام بشكل جماعى.
وبناء على هذه التقارير تقرر إخضاع جميع الموريسكوس فى إسبانيا إلى محاكم التفتيش من دون استثناء، وكذلك جميع المسيحيين الذين يُشك بأنهم قد دخلوا الإسلام أو تأثروا به بشكل يخالف معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، ولتبدأ أكثر الفصول وحشية ودموية فى التاريخ الكنسى الغربى، إذ بدأت هذه المحاكم تبحث بشكل مهووس عن كل مسلم لتحاكمه، ومحاكم التفتيش فى الواقع نمط عجيب غريب من المحاكم، فقد مُنحت سلطات غير محدودة، ومارست أساليب فى التعذيب لم يعرفها أو يمارسها أكثر الطغاة وحشية عبر التاريخ، وقد بدأت تلك المحاكم أعمالها بهدم الحمامات العربية، ومنع الاغتسال على الطريقة العربية، ومنع ارتداء الملابس العربية أو التحدث باللغة العربية أو الاستماع إلى الغناء العربى، ومنع الزواج على الطريقة العربية أو الشريعة الإسلامية، ووضعت عقوبات صارمة جدًّا بحق كل من يثبت أنه يرفض شرب الخمر أو تناول لحم الخنزير، وكل مخالفة لهذه الممنوعات والأوامر تعد خروجًا على الكاثوليكية ويحال صاحبها إلى محاكم التفتيش. وغدا نستكمل فضائح الغرب ضد العرب والمسلمين.