الأمر المؤكد بالنسبة لى أن الوضع الاقتصادى الصعب الذى تعيشه مصر حالياً لن يستمر طويلاً، خاصة أن أسبابه تكاد تكون واضحة للجميع، لكن العلاج يحتاج لصبر وأفكار جديدة، وتعاون من جانب جهات ودول خارجية أسهمت بقرارات متسرعة فى هذا الوضع، وأذكر تحديداً قرار دولة صديقة وهى روسيا بتعليق سفر رعاياها إلى مصر لقضاء عطلاتهم السياحية بعد سقوط الطائرة الروسية فى سيناء نهاية العام الماضى.
المفاوضات تجرى الآن بشكل مكثف مع الأصدقاء الروس للعدول عن قرارهم الذى أصاب قطاع السياحة المصرى فى مقتل، فوزير الطيران والنائب العام كانا فى زيارة لموسكو، وقبلهما كان الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب، وهناك تواصل على أعلى المستويات، وتأكيدات مصرية على توفير كل الضمانات التى تحتاجها روسيا، لعودة رحلاتها الجوية مرة أخرى إلى مصر، وربما يصدر هذا القرار بعد شهرين أو ثلاثة أشهر تقريباً، وفقاً لتأكيدات مسؤولين روس آخرهم وزير النقل مكسيم سوكولوف الذى قال إن مصر سوف تفى بجميع التزاماتها لضمان إجراءات أمن الطيران فى المطارات المصرية بنهاية أكتوبر لاستئناف الرحلات الجوية، عودة السياحة الروسية بالتأكيد هى جزء من حل الأزمة الاقتصادية، لأنها ستساعد فى توفير النقد الأجنبى الذى تحتاجه مصر.
ويترافق ذلك مع مفاوضات مصر مع صندوق النقد الأجنبى للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار سيرفع احتياطى مصر من النقد الأجنبى، وسيكون عاملا مؤثرا فى جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة مع إدراكنا جميعاً أن الحصول على قرض من الصندوق ليس هو الهدف فى حد ذاته، وإنما لأن ذلك بمثابة صك ضمان للمستثمرين الأجانب باستقرار الأوضاع فى مصر.
ولا ننسى أنه فى نهاية العام المقبل سيبدأ حقل غاز «ظهر» إنتاج باكورة أعماله، التى تتولاها شركة «إينى الإيطالية»، فضلاً عن الاستثمارات التى سيتم ضخها فى محور تنمية قناة السويس، وقد سمعت من دبلوماسيين أجانب ولع بلادهم الشديدة بالاستثمار فى هذه المنطقة المهمة والحيوية فى حركة التجارة الدولية، وهناك تركيز صينى على سبيل المثال لإيجاد فرص للاستثمارات الصينية فى قناة السويس، وهو ما يؤكد أن المشروع سيحقق المتوقع منه خلال فترة وجيزة. نعم ما أقوله لن يتحقق خلال شهرين أو ثلاثة، وإنما سيستغرق عدة أشهر، ربما سنعانى خلالها من أزمات اقتصادية، لكن يجب الإشارة إلى أن الإجراءات التى بدأت تتخذها الدولة ستساعد على التخفيف من حدة هذه الأزمات.
قبل يومين اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسى بالمهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، استعرض خلاله الموقف الاقتصادى، والمهم بالنسبة لى فى هذا الاجتماع هى التوجيهات التى صدرت من الرئيس للحكومة باتخاذ مجموعة من الإجراءات الموازية لتعزيز شبكة الحماية الاجتماعية وحماية محدودى الدخل والفئات الأولى بالرعاية، من خلال اتخاذ إجراءات تخفف من آثار جهود الإصلاح، مع التأكيد على أهمية الاستمرار فى توفير الأدوية والسلع الغذائية الأساسية للمواطنين بأسعار مناسبة.
هذه الإجراءات مهمة جداً، لكن الأهم أن يتم تفعيلها وتحويلها من توجيهات رئاسية إلى واقع ملموس، وهنا تقع المسؤولية على الحكومة التى عليها إدراك أن الوضع بات خطيراً، ولا يحتمل رفاهية التأخير، فالتحرك السريع هو السبيل الوحيد الآن للجم غول الأسعار، وكلى يقين بأن الرئيس لن يكتفى بالقول، وإنما سيتابع هذه التكليفات لحظة بلحظة، لإدراكه أننا أمام قضية أمن قومى خطيرة ولا تحتمل أى تأخير فى التعامل معها.