قد يسقط من التاريخ سهوا موقفا أو شخصا ما وذلك لقلة أو لعدم وجود من يسجل التاريخ فى تلك اللحظة، ولكن لا يمكن أن يُسقط بلدا سهوا بدون تسجيل ماذا حدث فى تلك الليلة، ومع ذلك لم يكتب التاريخ عن تلك الليلة إلا القليل.. ليلة نهاية تاريخ وبداية تاريخ آخر.. إنها ليلة سقوط غرناطة، هيا لترى معى ماذا حدث وأدى إلى سقوط غرناطة.
فى عام 896هـ- 1491م أطبق النصارى الحصار على غرناطة بحراً وبراً ورابطت السفن الإسبانية فى مضيق جبل طارق وعلى مقربة من الثغور الجنوبية، ولم يكن ثمة أمل فى العون من أفريقيا، التى سقطت معظم ثغورها الشمالية فى أيدى البرتغاليين، فضلاً عن ضعف إمارات المغرب وتفككها، وقد اشتد البلاء والجوع بالمحاصرين داخل غرناطة ودب اليأس إلى قلوب الجند والعامة، أوصد المسلمون أبواب غرناطة واحتموا بأسوارها فى يأس وقلق وهم يرون شبح النهاية ماثلاً أمام عيونهم، وكان قد مضى على الحصار حوالى سبعة أشهر وهم يغالبون الأهوال، وقد جاءت آخر معاركهم لتبدد الأمل فى الخلاص والنصر، واشتد الجوع والمرض والحرمان.
وجعلت تنظر غرناطةُ إلى القصر البهى العظيمِ، وهو آخِر تلك القُصور، التى شغل رواؤها الأمراء، وأنستهم سكناها أخلاق صحرائهِم الأُولَى، فكانت مقابر لأمجادهم طَفقَت تنظر إليه فلا ترى من بناة الحمراء إلاّ رجل، وأمه.. فحولَت وجهها عنِ القصر إلى جِهة السور وتساءلت عائشة: هل عاد موسى؟
وفجأة جاء موسى من الظلام، فإذا هو يلمع كالبدر المنير، وكذلك يقذف هذا الشعب العربِى بالأبطال كلما حاقت الشدائد، وإذا هو مِلء السمع والبصر، وإذا هو بطل المعركة، دعا إلى القتال شعبا كل من القتال، هذا الشعب الذى علمه محمدٌ كيف يلبى كلّما دعِى إلى التضحية والجهاد، لباه وتشققَت أَسمالُه البالية عن أُسود غاب، وسباعِ عرين... ووقف بهؤلاء الأسود فى وجه السيل الإسباني، وما زال ثابتا، ولكن أُسوده قد سقطوا صرعى فى ميادين الشرف ونستكمل غدا.