هى والصبر توأمان، وهى والشقاء أخوان، وهى والجمال كالشمس ومرآتها، فى عيونها سكينة وغنج، وفى شفاهها فرح ومرح وقوة، وفى قوامها شموخ وعزة، وفى صدرها رحابة وراحة وحياة، أحبها وأحب من يحبها، وأراها سيدة هذا العالم وأصله الراسخ، بينما لا يرى الآخرون سوى هذا المظهر المشوه الذى اجتهد القهر فى إنشائه.
يعرف الجميع أن الكنوز لا تُلقى على قارعة الطريق ولا تظهر لكل عابث، ومع هذا يغضبون حينما لا تظهر الأنثى المصرية جمالها للعامة، أو لا تتاجر به كما يتاجر ممتهنو النخاسة.
مرت عليها آلاف السنين وهى على حالها، فى الحقل تزرع مع زوجها فيزيد الحَب بالحُب، وفى المصنع تبنى مع أشقائها فيصبح الإنتاج أروع، تحملت كل ما بمصر من موبقات، لكنها مع هذا ظلت على حالها آسرة ومأسورة، تحب البيت، «تحاجى» على الأولاد، ترعى الزوج، وتسهر على راحة الجميع.
فى إخلاصها لبيتها تشبه الصوفيين الذين يسعون إلى الفناء فى ذات المعشوق الإلهى، تسير إلى حتفها راضية، تقدم روحها قربانا لبيتها وأولادها وزوجها، لا تكل ولا تمل، لا تريد سوى كلمة حلوة أو نظرة امتنان وإن حازت مبتغاها صارت كالكائن الأسطورى الذى يستمد طاقته من روح الكون فلا يقف أمامه واقف.
نحاصرها بالكراهية، فتحاصرنا بالمحبة، ننتهك جمالها بالتحرش والتضييق والاضطهاد والهموم، لكنها برغم هذا تظل متأهبة لاقتناص الأمان فتظهر من الجمال ما يعجز الناظرين، نفتخر بأن مصر صاحبة حضارة سبعة آلاف سنة، لكننا نخجل من أن نذكر السبب الحقيقى لبقائنا لا لشىء إلا لعلمنا بكم التقصير الذى ارتكبناها فى حقه، فأهم سبب لبقاء مصر على حالة متحدة وراسخة هو تلك السيدة التى ترعى بيتها فتلخص معنى الوطن فى دفء ونقاء وحنو وفرح.
هى من تمنح لأيامنا رائحة، ولأفراحنا لونا، ولجراحنا ضمادة، فبها يصبح الشتاء فرصة للسكينة، وبها يصبح الصيف فرصة للانطلاق، وبها تذوب الجراح على أعتاب نبع الونس والألفة.
نشر هذا المقال فى ديسمبر 2015 واليوم أهديه إلى الرباعة المصرية «سارة سمير» بعد حصولها على برونزية دورة الألعاب الأولمبية التى اعتبرها من أفضل نماذج «الست مصرية» الصابرة المجتهدة.