كانت معركة غرناطة هى الأخيرة فى سلسلة معارك حرب الاسترداد كما أطلق عليها أعداء الاسلام والعرب، وهم ملوك إسبانيا الذين رفعوا شعارا هو إما إسبانيا خالية من العرب أو الإسلام أو النهاية، ولأن القدر كان مكتوبا علينا أن تنتهى قصة أجمل أندلس، وهو ما تنبأ به موسى بن غسان ذلك القائد العربى، الذى قال بعد أن شعر نية آخر ملوك الأندلس عبدالله الأحمر بالاستسلام: «لا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم، ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم، إن الموت أقل ما نخشى، فأمامنا نهبت مدننا وتدميرها تدنيس مساجدنا، وتخريب بيوتنا وهتك عرض نسائنا وبناتنا، وأمامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشى والسياط والأغلال، وأمامنا السجون والأنطاع والمحارق، هذا ما سوف نعانى من مصائب وعسف، وهذا ما سوف تراه على الأقل تلك النفوس الوضيعة التى تخشى الآن الموت الشريف أما أنا فوالله لن أراه».
وإذا بأطفال غرناطة ينشدون ذلك النشيد الذى لا يعرف من نظَمه لهم، فيصغى الناس ويستمع الفَلَك الدائر: لا تَبْكِ يا أُمَّاهُ، إنَّا ذاهبون إلى الجنَّة/ إنَّ أرض غرناطة لن تَضِيقَ عن لَحْدِ طفل صغيرٍ مات فى سبيل الله / إن أزهار غرناطة لن تَمْنَعَ عِطرَها قَبْرًا لم يُمَتَّعْ صاحبُهُ بعِطْرِ الحياة / إن ينابيعَ غرناطة لن تَحْرِمَ ماءَها ثَرَى لَحْدٍ، ما ارتَوَى صاحبُهُ من مائها/أنتِ يا أرضُ غرناطة أُمُّنَا الثانيةُ فضُمِّينَا إلى صَدْرِكِ الدافئ الذى ضَمَّ آباءنا الشُّهَدَاء/لا تَبْكِ يا أُمَّاهُ بلِ اضْحَكِى، واحفظى لِعَبَنَا، سيأتى إخوتنا فيلعبون بها/ فذَكِّرِيهِمْ بأنَّنا تركناها من أجل هذا الوطن، سنلْتَقِى يا أُمَّاهُ! إنَّكِ لن تُؤْثِرِى الحياة فى ظلال الإسبان على الموت تحت الراية الحجازيَّة، ولن تَضِيقَ عَنَّا أرض غرناطة، ما ضاقت أرضُنَا بشهيد».
ولم يعد يطيق موسى أكثر من ذلك، فلَكَز فَرسه، وانطلق إلى حيث لا يدرى أحد، كما جاء من حيث لم يدر أحد، و كذلك ذَهب آخر أبطال الأندلس، لم يخلف له قَبرا فى الأرض، ولا سيرة واضحةً فى التاريخ، بل مر على الدنيا كالحلم بهيج!
وحده موسى بن أبى الغسان اختار الاحتجاج على تسليم غرناطة، ووحده حمل السيف والدرع وخرج من الحمراء إلى حمراء أخرى... وحده موسى بن أبى الغسان اختار الطريق السهل، وترك للملك الصغير الاختيار الأصعب، وتحقق لموسى الخلاص يوم بدأت المعاناة فى غرناطة وجبال الجنوب و بلنسية والمرية فى الساحل الشرقى، الرويات كثيرة وهو ما كشفت عنه كتب المؤرخين الذين وضعوا سيناريوهات النهاية لدولة الأندلس، رحمةُ الله على موسى بن أبى الغَسَّان، وغدا نواصل كشف المزيد من مآسى أهل الأندلس التى لا تنتهى.