بعضهم يكره هذا الوطن، يريد أن ننشر صوره مصحوبة بألم وحسرة كما يفعل أهلنا فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، تلك غايتهم ومن أجلها بدأوا بالإرهاب ونشر الفوضى وفشلوا، ثم انتقلوا إلى مرحلة تضييق الخناق والتلاعب فى أقوات الناس وتخويفهم اقتصاديا واجتماعيا، مستغلين أخطاء الحكومة وثغرات الدولة فى تعاملها مع الأزمات الاقتصادية، ولكن تبقى النفس المصرية صامدة حتى حين، رغم ألم الأسعار وارتباك المشهد الاقتصادى.
حسنا فلنضرب أهل مصر فى روحهم، وروح المواطن المصرية تتغذى على الأمل الدائم فى غد أفضل، وأصحاب الغاية فى تدمير مصر أدركوا أن نزع الأمل من نفوس المصريين أخطر على مصر من ميلشيات الإخوان المسلحة، ومن خطط الجماعة لضرب الاقتصاد، ومن فيديوهات داعش الناشرة للرعب فى النفوس.
تستطيع الدولة ومعها الإعلام صد الإرهاب، وزيادة صبر الناس ببعض المسكنات الاقتصادية، ولكنها تغفل عن مجهود أكبر لابد من بذله لنشر مساحات الأمل، أمل فى أن الغد القادم أكثر وضوحا وأكثر قوة، مساحات حرياته أكبر، وأرض استقراره والاستثمار فيه قادرة على دحض الفساد والروتين.
هم يطاردون المصريين الآن بشائعات عن خطف البنات، وعن الخراب الاقتصادى القادم، وعن الدولة التى تقترض وتدعو للتقشف بينما هى لا تفعل، وينشرون الكثير عن عدم جدوى المشروعات الهادفة لتأسيس بنية تحتية قوية لوطن تعانى بنيته الاستثمارية من تسوس وفساد وضعف كما كانوا يقولون هم بأنفسهم فى زمن مبارك، والحكومة لا تصد الشائعات بل تسهم فى ترويجها بأخطاء الوزراء والمسؤولين وتصريحاتهم غير المسؤولة والمدروسة.
ازرعوا الأمل فى نفوس الناس واستثمروا فيه، حتى لا تبدو نفوسهم فريسة ضعيفة أمام الشائعات المتناثرة فى فضائيات ومواقع الإخوان، وفى المجالات العالمية عن الخراب القادم فى مصر، أحيانا يبدو الأمل سلاحا أقوى للمواجهة من قائمة أرقام.
قديما كان الإغريق يعرفون جيدا أهمية الأمل فى بناء الدولة ومدها بقوة الصبر والاستمرار فى مواجهة محاولات تدميرها، لذا جعلوا من الأمل والرجاء إلها يقدسونه «Elpis»، ونشروا بين الناس أن إله الأمل الذى خرج من صندوق باندورا ليواجه ألهة الشر، خرج ضعيفا وبطيئا ولكنه أصبح أكثر قوة حينما استوطن فى نفوس الناس، ويقولون إنه خرج من صندوق باندورا بعد كل آلهة الشر فى رسالة إلى أنه الملاذ الأخير للإنقاذ، لذا يسميه الرومان الإلهة Spes ويصورونها دوما وهى تمسك بيدها الخير والورد رمزا للجمال والوفرة.
أهل مصر يحتاجون إلى الأمل من أجل مواجهة موجات التشكيك والتخويف، والأمل مصدره فى أداء حكومى متوازن وقليل الأخطاء والعثرات، إشعار الناس بأن الصبر والمعافرة مقدمات لأمل فى نهضة الوطن سيجعلهم يكافحون لأوقات أطول ويتحملون الصعب لوقت أطول، فقط حافظ على بعض من الأمل فى نفوسهم، فقط ضع أمامهم مقدمات تخبرهم بأن نتائج جيدة قد قاربت على التحقق.
فى الخمسينيات من القرن الماضى قام بروفيسور جامعى «Curt Richter» بتجربة على الفئران لتحديد أهمية الأمل فى تحدى الشائعات والإحباط والخوف، أحضر مجموعة من الفئران ووضع كلا منها فى زجاجة نصفها ماء، الزجاج أملس والماء يكاد يغطى حجم الفأر، وعلى كل فأر أن يكافح من أجل النجاة، التجربة أشارت إلى أن الفئران استمرت لمدة 15 دقيقة تسبح فى الماء محاولة للخروج والنجاة حتى أصابها اليأس واستسلمت للموت.
فى الإعادة الثانية للتجربة، تعمد البروفسير «Curt Richter» أن ينتظر إلى اللحظة الأخيرة قبل استسلام الفأر للموت ثم يمد يده وينقذ الفأر من الغرق، ويضعه خارج الإناء الزجاجى للراحة، ثم يعود به مرة أخرى للإناء، ليكتشف أن الفأر فى هذه المرة يسعى بجهد أكبر للنجاة، واستمرت محاولته للخروج ومكافحة الغرق لأكثر من 60 ساعة وليس 15 دقيقة كما فى التجربة الأولى، ليستخلص من تجربته تأكيدا جديدا على أن الفأر فى الجزء الأول من التجربة استسلم سريعا حينما تمكن منه اليأس ولم يفتح له أحد باب أمل، بينما فى نصف التجربة الثانى استمر يكافح لمدة 60 ساعة، على أمل أن تمتد يد إليه لتنقذه مرة أخرى، الفأر فى المرة الثانية كان على استعداد لأن يبذل مجهودا أكبر ويكافح بشكل أكبر فقط لأن أحدهم زرع بداخله الأمل.
الاستمرار فى تحسين ظروف الناس، وتصدير الطاقة الإيجابية لمواجهة الشائعات ومحاولات التخويف، مهما كان الخطر، خلق الأمل وحده قادر على تجاوزه، أما نبرة التشاؤم والاستسلام المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى فما هى إلا سلاح أكثر فتكا بهذا الوطن من الإرهاب ذاته.