ربما لا يعرف الكثيرون من شباب مصر الآن ما الذى تعنيه كلمة «نملية» والنملية لمن لا يعرفها هى أداة من أدوات المطبخ العتيق، كان آباؤنا وأجدادنا يستعينون بها لتخزين الطعام، وأعتقد أن سبب تسميتها بهذا الاسم هو أنه كان يتوسم فيها إحكام الإغلاق على الأطعمة بشكل لا يسمح بمرور النمل إليها، أو على العكس تماما فإنه، ربما، أهلتها وظيفتها لأن تكون مرتعا للنمل بحكم وجود الطعام فيها فأصبحت بيتا له وسميت باسمه، لكن على أى حال فقد انقرضت النملية تماما من بيوتنا، وأصبح وجودها نادرا أو قل معدوما بعدما انتشرت الثلاجات الكهربائية، وهو الأمر الذى يبدو أنه أزعج السيد الدكتور وزير الكهرباء الذى أكد أن البيوت التى لا يوجد بها ثلاجات فلن تزيد نسبة استخدامها للكهرباء على 50 كيلو وات شهريا وبذلك ستستمتع بالدعم الأكبر للكهرباء ولن يزيد ما تدفعه إلا بمقدار 180 قرشا، أى أنه سيادته يريدنا أن نعود من جديد إلى عصر النملية.
لا أدرى هل وصلنا فعلا إلى هذا الحد من الانحدار أم أننا نعيش فى غيبوبة مؤقتة وسنفيق ونجد أننا كنا فى كابوس؟ فمن المفترض أن يتباهى المسؤولون بارتفاع مستوى معيشة المواطنين وأن يسعوا إلى أن ينالوا رضاهم بكل ما أوتوا من القوة، لكن على ما يبدو فإننا أصبحنا على هامش هامش تهميش الحكومة بكل مسؤوليها للدرجة التى جعلت مجرد امتلاك الواحد لثلاجة سببا لتعاقبه الحكومة بالحرمان من الدعم.
ما لا يدركه السيد وزير الكهرباء هو أن بمثل تلك التصريحات يحبط آمال المصريين بشكل غير مسبوق، كما أنه يحط من قدر مصر بشكل كبير، فى الوقت الذى نجاهد فيه بكل ما نملك للإبقاء على الصورة الذهنية لمصر فى أحسن حال، لكنه بهذا التصريح يريد أن يلغى صورة مصر المتحضرة القوية السباقة فى كل مجال، وبعد أن كانت مصر التى نفتخر بها من أوائل الدول فى إدخال السكك الحديدية واستخدام التليفونات وطوابع البريد وإنشاء الجامعات ومراكز الأبحاث، يريد سيادة الوزير أن يعاقبنا لمجرد أننا نمتلك «ثلاجة» قائلا إن الذى لا يمتلكون ثلاجة لن يتأثروا برفع الدعم، غير مدرك أن الذين لا يمتلكون ثلاجة هم فى الأرجح لا يمتلكون قوت يومهم، فهل من لا يمتلك قوت يومه بحاجة إلى رفع سعر الكهرباء بقيمة «180» قرشا، أم بحاجة إلى إعانة حكومية عاجلة ليشترى ثلاجة؟