قرار الأستاذ عبدالعظيم مناف، الكاتب والصحفى الكبير، بتحويل دار الموقف العربى إلى مكتبة عامة، جزء من رسالته التى اتخذها لنفسه، وجزء من إيمانه العميق بأهمية الثقافة والقراءة، وبالرغم من نجاح صوت العرب كصحيفة، والموقف العربى كدار نشر، لم يتعامل معهما كناشر يصدر كتبا للربح، لكن لربح قراء، ولهذا كانت الموقف العربى أولى أدوار النشر التى تقدم الكتاب المسموع فى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين، قدم كتب تاريخ وأشعارا لصلاح جاهين بأصوات كبار النجوم، وأشعارا وكتب تاريخ مسجلة على شرائط كاسيت قبل الكمبيوتر، قدمها لتسهيل سبل المعرفة مسموعة لمن لا يستطيع القراءة أو من تشغله الحياة أو العمل. وأتذكر أننى كنت أتحدث معه عن إصدارات دار الموقف العربى، فى التسعينيات، وذكرت له كتاب «لمحة عامة على مصر»، وكان كتابا فى التاريخ الاجتماعى سجله «كلوت بك» الطبيب الفرنسى أنطوان براثيليمى المعروف بـ«كلوت بك»، وهو طبيب فرنسى قضى معظم حياته فى مصر، وعهد له محمد على باشا بتنظيم الإدارة الصحية للجيش، وصار رئيس الأطباء، وأقنع محمد على باشا بتأسيس «مدرسة الطب» نواة القصر العينى، ألحق بها مدرسة للصيدلة، ثم أخرى لتخريج القابلات، ومنحه محمد على باشا لقب «بك» تقديرًا لجهوده.
سجل «كلوت بك» فى كتابه لمحة عامة إلى مصر تاريخا اجتماعيا لمصر، وأصدرته الموقف العربى فى الثمانينيات فى أربع أجزاء، وتحدثت مع الأستاذ عبدالعظيم عن أهمية الكتاب، وأن معظم أجزائه نفدت، وبعد فترة فاجأنى بنسخة جديدة من الكتاب فى مجلد واحد، فى طبعة فاخرة وبسعر مناسب، ومعه عناوين لكتب مهمة، هى وغيرها التى كانت تحتل أرفف مكتبة الموقف العربى، بعد أن قرر الأستاذ عبدالعظيم مناف إتاحتها للجمهور بلا مقابل، وكانت المكتبة تجذب شبابا من الباحثين والقراء، وواصل رسالته فى نشر المعرفة بالنشر والتشجيع على القراءة، والكتاب المسموع. وبجانب دوره السياسى والثقافى، وأستاذيته لأجيال مختلفة، كصانع نجوم، ظل الكاتب الكبير عبدالعظيم مناف، يساند أشخاصا ومشروعات بجهده وماله، من دون أن ينتظر شكرا أو أضواء، وقدم بسيرته وسلوكه نموذجا لرجل ظل حتى آخر لحظات حياته مخلصا لأفكاره، لم يشعر أبدا باليأس، وتسلح دائما بإيمانه وابتسامته الودودة الحنون، وترك علامة فى كل مكان ومع كل شخص تعرف عليه.