الجمعة، 22 نوفمبر 2024 05:46 م
يوسف أيوب

يوسف أيوب

ماذا يريد أبو مازن

9/6/2016 9:00:56 PM
يجيد محمود عباس أبو مازن، مهنة الرقص السياسى على كل الطاولات، فمن الصعب أن تمسك عليه ولاءً كاملاً لأحد، حتى للسلطة الفلسطينية التى يترأسها، فولاؤه الكامل لنفسه فقط.. يرفع شعار «أنا أولاً وأخيراً»، وتحت هذا الشعار الشخصى يتراقص يميناً ويساراً ليفوز بمحبة الجميع، والمحبة هنا قد تكون معنوية وقد تكون مادية أو بمعنى آخر مالية.

سمعناه كثيراً فى جلسات العامة والمغلقة، وهو يشير إلى دول بعينها وينعتها بأقذر الأوصاف السياسية، وبعدها بيومين أو ثلاثة نراه ضيفاً على هذه الدول متغزلاً فيها وفى سياساتها.. دون أن نعرف ما الذى جد فى الأمر ليغير من موقفها بهذه السرعة، هل الأمر متعلق بمراوغات سياسية فعلاً، أم أنها مراوغات مالية؟

أبو مازن القابع على رأس السلطة، رافضاً التجاوب مع كل محاولات رأب الصدع الفلسطينى بالترويج لمبررات واهية، وصل به المدى إلى ما يمكن وصفه بالخرف السياسى، فالتعالى على الجميع بمن فيهم شركائه فى السلطة أصبح هو السمة الأساسية لكل تعاملاته، فمن لا يرضى عنه يطرد من جنته، والرضا هنا أمر نسبى بالنسبة لرئيس السلطة الفلسطينية، أو يمكن أن نقول إنه معيار شخصى، افعل ما تشاء فى السلطة وفى فلسطين كلها، فطالما أنك تنال رضا «أبو مازن» فأنت فى الحمى «العباسية»، أما إذا غضب عليك فحتى لو كنت نبياً فسيكون مصيرك هو الطرد.

رقصات أبو مازن السياسية شهدت اليومين الماضيين وصلة جديدة، لم يكن مسرحها هذه المرة الداخل الفلسطينى، وإنما جعلها عرضاً راقصاً تجاوز خلاله كل محددات السياسة، فأبو مازن الذى أكد مراراً وتكراراً تأييده ودعمه للمبادرة الفرنسية، وللجهود المصرية والأردنية الأخيرة لتنفيذ الالتزامات المترتبة على إسرائيل لدفع عملية السلام نحو غاياتها، لم يستطع الثبات على موقف واحد، فبعد هذا التأييد بأيام قليلة خرج بتصريحات عنترية قالها السبت الماضى خلال لقائه وفداً من ذوى الاحتياجات الخاصة من محافظات الضفة الغربية فى مقر الرئاسة فى رام الله، بدأه بكلمة عاطفية محاولاً من خلالها كسب تعاطف الحاضرين والمستمعين له ممن ملوا من أحاديثه المتكررة التى يعتبرها الفلسطينيون «ضجيج بلا طحين».

بعد الكلمة العاطفية، بدأ أبو مازن فى تقولاته التى لا نعرف ما الهدف من ورائها وإطلاقها فى هذا التوقيت حالياً، هو قال «لنتكلم كفلسطينيين وكفى الامتدادات من هنا وهناك»، مبدياً تحديه للرباعية العربية من دون أن يسميها بشأن خطواتها لترتيب البيت الفلسطينى الداخلى، قائلا: «لا أحد يملى علينا موقفا»، مستكملاً رقصاته السياسية بقوله «الذى له خيوط من هنا وهناك الأفضل له أن يقطعها، وإذا لم يقطعها نحن سنقطعها»، معتبراً أن «علاقتنا مع الجميع يجب أن تكون طيبة وجيدة لكن لا أحد يملى علينا موقفاً أو رأياً، نحن أصحاب القرار ونحن الذين نقرر ونحن الذين ننفذ ولا يوجد لأحد سلطة علينا».

تصريحات أبو مازن العنترية التى احتفت بها حاشيته، ألمحت إلى العديد من العواصم دون أن يحددها، وإذا كانت عربية أم غير عربية، لكنه حاول من خلالها إظهار نفسه أمام الجميع على أنه غاضب، وأن هناك دولاً وجهات خارجية تحاول التدخل بالقرار الفلسطينى الداخلى.. لكن غاضب من مَن! هل فعلاً من روسيا والولايات المتحدة، أم من مصر التى ترك أعلامه يهاجمها دون سبب.. وهل هو غاضب من السعودية والإمارات والأردن.. ولماذا هو غاضب فعلاً؟

الغريب أيضاً أن أبو مازن قال ما قاله بعد لقاءات عقدها مسؤولون من حركة فتح الفلسطينية بالقاهرة، كان هدفها «استعادة وحدة الصّف الفلسطينى»، وهو ما يشير إلى أن محمود عباس لا يقبل إجراء إصلاحات داخل الحركة التى أصابها الشيب على يد أبو مازن، لذلك فإنه أطلق هذه التصريحات العنترية ليوقف أى محاولة للإصلاح، لأنه يعى جيداً أنه لا معنى لوجوده إذا ما أصلحت هياكل فتح والسلطة الفلسطينية.. قد تكون الأخبار المتناثرة هنا وهناك عن محاولات عربية لإجراء مصالحة بينه وبين القيادى الفتحاوى محمد دحلان قد أفقدته اتزانه، وقد يكون قد فقد عقله لأسباب أخرى ربما تجيب عنها خزائنه فى قطر.

لقد تعودنا جميعاً على تصريحات عنترية كثيرة من أبو مازن، لكنه لم يستطع الثبات عليها أو تنفيذها، وكان يقول بعدها إنه يراوغ الجميع، قاصداً بذلك الأمريكيين والإسرائيليين، لكنه اليوم بتصريحاته هذه لا يراوغ سوى نفسه بعدما فقد عقله.. يعتبر أن الهجوم على من ساندوا السلطة هو خير علاج لأمراضه السياسية التى ألمت به وكادت أن تعصف بالبيت الفلسطينى، فهو لا يهمه البيت الفلسطينى قدر اهتمامه بأن يبقى هو على رأس هذا البيت حتى وإن تهدم البيت على من بداخله.

الأكثر قراءة



print