ربما لا يعرف البعض ما الذى تعنيه «حالة الأمن والأمان» التى يتحدث عنها الكثيرون فى الفضائيات والصحف والمجالس العامة والخاصة، فقد ارتبطت هذه الجملة بحالة الانضباط القانونى المفترض، كما ارتبطت بمفهوم معاقبة الأشقياء بالحبس أو بالسجن، وإنى وإن كنت أعترف تماما بأهمية الانضباط القانونى والمفترض والمفتقد أيضا، لكننى فى ذات الوقت أرى أن من واجبات الدولة الأساسية إشعار المواطن بالأمن والأمان، ليس على روحه وأمواله فحسب، وإنما أيضا على مستقبله وصحته وأطفاله فى السراء والضراء، بالأمان يعنى العدل، يعنى المساواة، يعنى تكافؤ الفرص، يعنى ثقة فى النظام، يعنى الشعور بالعدالة الاجتماعية، يعنى الإحساس الراسخ بأن للمواطن «دولة» تحميه، بأنه إن مات فللبيت أب، وللأم راع، وللزوجة حام، وللأطفال معيل، وعلى أية حكومة أن تضع هذا المؤشر فى حسبانها، وأن تقيس أداءها بالمقارنة بما يشعر به الفرد من «أمن وأمان».
أكتب هذه السطور بينما حكومة المهندس شريف إسماعيل تخضع لما سمته وسائل الإعلام «كشف حساب» من جانب البرلمان، وللأسف فإننى أعرف أن سؤال «الأمن والأمان» سيغيب عن مناقشات السادة النواب بهذا المعنى، كما أعرف تماما أن هذا المعنى الشامل لـ«الأمن والأمان» غائب تماما عن وعى وزارء الحكومة على اختلافهم وتعددهم فلو كان هذا المعنى متوافر لما شاهدنا حزمة القرارات التى تضعف المواطن وتزيد الفقراء فقرا، وقديما قال الإمام على كرم الله وجهه: «ما اغتنى غنى إلا بإفقار فقير».
فى العديد من النظريات النفسية والاجتماعية تتربع حاجة الإنسان لـ«لأمن والأمان» على سلم الاحتياجات الإنسانية باعتبارها الاحتياج الأول، والأساس المؤسس لما بعده من احتياجات، فبدون أمن وأمان لن يستطيع الإنسان أن يعمل، ولن يستطيع أن «يحب» ولن يستطيع أن يفكر، ولن يستطيع أن يحدد اختياراته وانتماءاته، ولن يستطيع أن يتقدم على الصعيدين الشخصى والوطنى، ويا للعجب فإنه كلما قل الشعور بالأمن والأمان بمعناه الاجتماعى قل الأمن والأمان بمعناه القانونى، فلن تستطيع أية «وزارة داخلية» أن تحقق الانضباط القانونى الصارم، وأن توفر الحد الأدنى من «الأمان» فى ظل وجود ملايين المحتاجين اليائسين الخائفين، فمن واجبات الدولة، أى دولة، أن يشعر أبناؤها أنهم فى «أيدٍ أمينة» فهل حققت الدولة هذا الهدف الأسمى؟ بل هل تضع الدولة هذا الهدف من الأساس فى عقيدتها؟
تاج