محمد سامى يكتب
حينما جاءتنى الدعوة إلى المؤتمر الوطنى للشباب كنت أظنه حدث روتينى لن يضيف شيئا على أرض الواقع، ولكن إن بعض الظن إثم، فبعد انعقاد المؤتمر وخلال أيامه الثلاثة تأكدت بما لا يدع مجالا للشك أن هناك إرادة حقيقة للاستماع للشباب ومطالبهم، ومن وجود رغبة حقيقية من الرئيس عبد الفتاح السيسى، راعى المؤتمر فى دفع الشباب لصدارة المشهد، وهو ما ظهر جليا حينما قال فى الجلسة الختامية للمؤتمر، أتمنى أن يكون أحد الشباب فى مكانى يدير مصر ونحن نقف خلفه .
ففى هذا المؤتمر انطلقت الدولة من مرحلة إلى مرحلة مختلفة تماما، من مرحلة "حل أزمات الشباب" إلى مرحلة "الشباب يحل الأزمات"، وتحولت مدينة السلام من منبر للقادة والزعماء والمسؤولين إلى منبر للشباب هم يتحدثون ويطالبون ويناقشون والمسؤولين يستمعون .
كان الرئيس منذ التاسعة صباحًا وحتى العاشرة مساء، على مدار الثلاثة أيام يتحرك بالقاعات، مشاركا ومناقشا ومستمعا جيدا ومعقبا ومبادرا ومصارحا .
شاهدت الشباب من العشرين حتى الأربعين عاما مشاركين فى جميع قاعات المخصصة للمؤتمر لم أجد قاعة فارغة، حتى الجلسات الثقافية والتى كنت أعتقد أن الإقبال عليها سيكون محدودا شهدت إقبالا كبيرا من الحضور بسبب ثراء الموضوعات وجودة ما يطرح من موضوعات والاختيار الجيد للمتحدثين.
وعندما كنت أتجول بعين المراقب بين جنبات القاعة وجدت مجموعة من الشباب يلتفون حول وزير التضامن الاجتماعى ليناقشوا ويقترحوا وينتقدوا ويضعوا حلا لأزمات الجمعيات الأهلية والتضامن الاجتماعى والعدالة الاجتماعية وغيرها، وعلى الجانب الآخر وجدت مجموعة من شباب الأحزاب يلتفون حول وزير الخارجية يتناقشون معه فى علاقات مصر الخارجية وتطوراتها وطبيعة العلاقات مع السعودية وتطور العلاقات مع الكويت وموقف مصر من الرئيس الأمريكى المقبل، ويقف الوزير منصتا ومناقشا، وفى الممر الرئيسى كان الزحام هائلا حول وزير الطيران المدنى، حيث يقف حوله مجموعة من شباب اتحادات طلبة مصر، يضغطون عليه بالأسئلة حول جاهزية المطارات المصرية، وعودة الطيران الروسى إلى مصر وغيرها من الملفات .
وأكثر مشهد لم أكن أن أتوقع مشاهدته هو وقوف وزير الداخلية بدون حراسة وسط مجموعة من الشباب يعرضون عليه السلبيات فى عدد من أقسام الجمهورية وسوء المرور فى عدد المراكز، وبعضهم يقترح حلولا لحل أزمات التوكتوك والنقل الثقيل، وما زاد الأمر غرابة أن الوزير دون ما قاله الشباب وأخذ من أحدهم دراسة لحل أزمة التوك توك فى مصر .
كانت خلية نحل تعمل على مدار 24 ساعة لتخرج لنا المشهد كما رأيناه جميعا، فبعد أن انتهيت من اليوم الأول فى تمام العاشرة مساء وعدت إلى مكان إقامتى لاستعد لليوم الثانى لأجد هاتفى يرن تذكرك أن التجمع الساعة فى الثالثة صباحا استعدادا للمارثون الذى سينطلق فى الخامسة .
وقد أظهر المؤتمر أن هناك رغبة حقيقية للحوار بدليل دعوة المعارضين قبل المؤيدين حتى وإن اعتذر البعض منهم، وأكد على وجود حرية كاملة فى الحوار فلم يملى على أحد ما يقول ولم يتم اختيار أشخاص بعينهم لإجراء مداخلات، كما أن الكثير من الشباب تحدثوا عن القضايا التى تحدى البعض قبل المؤتمر بأن يتحدث فيها أحد مثل وجود الشباب فى السجون والحريات ومشكلات الصحفيين وقانون التظاهر .
وتميز المؤتمر بتنوع فئات المشاركين، لم يقتصر على الشباب المهتمين بالعمل السياسى ولكن شمل شبابا من الرياضيين والجامعات والصحفيين وشباب البرنامج الرئاسى و600 شاب تم اختيارهم ممن تقدموا بطلب للمشاركة على الموقع الإلكترونى للمؤتمر، ورغم كل هذه الإيجابيات لم يخل من عدد من السلبيات وعلى رأسها الخطأ الذى حدث فى أول يوم من عدم إذاعة القرآن الكريم فى حفل الافتتاح وهو ما لا يصح، ويذكرنا بعدم إذاعة السلام الجمهورى فى احتفالية 150 عاما على الحياة النيابية فى مصر ولم يتم محاسبة المسؤول عن هذا الخطأ .
وكان تعدد الجهات المنظمة للمؤتمر أحد سلبياته الواضحة، حيث شارك فى التنظيم وزارة الشباب والرياضة والرئاسة والبرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب، ما أدى لإرهاق الكثير من المشاركين فى المواعيد وكذلك ورش العمل، حيث تم تحديد مدة زمنية لإحدى الجلسات ساعة وكان عدد المتحدثين بها سبعة تحدثوا فيها عن العدالة الاجتماعية بخطاب فرغ مفهوم العدالة من مضمونها، ولم يسمح بمداخلات من الحاضرين لضيق الوقت، وهو ما أصاب بعض الشباب بحالة من الإحباط .
واقعة سلبية أخرى تسببت فيها الشباب والرياضة تستوجب محاسبة المتسبب فيها وهى أن خمسين من الشباب حضروا إلى تجمع أتوبيسات وزارة الشباب الذين تم تسجيلهم على الموقع الإلكترونى بعد اتصال هاتفى بهم لتأكيد الحضور وفوجئوا بعدم إدراج أسمائهم، فاقترح أحد المنظمين اصطحابهم إلى شرم الشيخ على أمل حل أزمتهم هناك، وهناك رفض الأمن الرئاسى بشكل نهائى دخولهم فاضطر منظمو الحفل استضافتهم فى مكان الإقامة بدون المشاركة فى المؤتمر !!.
كذلك الاختيار السيئ لعدد من المتحدثين فى ورش العمل كان من أبرز السلبيات فلم يكن لدى البعض أى جاهزية لورق العمل ولا حلول مما تسبب فى تفريغ الحلقات النقاشية من مضمونها، مثلما شاهدنا الدكتورة مى البطران فى جلسة التحول السياسى التى حضرها رئيس الجمهورية.
كما أن الأحزاب والمشاركة السياسية للشباب شهدت وجود ضيفين من نفس الفصيل السياسى وهو ما ساهم فى تكرار الرؤى، وبالإضافة لذلك فقد كان هناك تربص بين شباب الأحزاب وبين شباب البرنامج الرئاسى وكان هناك اتهامات المتبادلة بين الطرفين، وقد ظهر هذا واضحا فى إحدى الورش التى لم يتم إذاعتها وحضرها رئيس الجمهورية، والتى تحولت إلى شبه مباراة بين خصمين، حتى حسمها الرئيس فى الجلسة المغلقة، وتحدث بأن شباب مصر جميعهم أبنائه ولا أب يفرق بين أبنائه .
ما صدر عن المؤتمر من توصيات هو انتصار حقيقى للحوار بين الشباب والدولة، حيث لم يقتصر على توصيات ولكن قرارات رئاسية محددة المدة والجدول الزمنى فى مسألة الحريات والتعليم، وكذلك التأكيد على استمرار الحوار ومتابعة تنفيذ النتائج، وهو ما يعتبر انتصارا آخر للشباب المشارك فى المؤتمر، نتمنى ألا يكون مصير هذا المؤتمر مثل المؤتمر الاقتصادى وعلى المحيطين حول الرئيس أن يكونوا على قدر المسؤولية لأنه لو لم يتم تنفيذ تلك التوصيات سيتم فقدان الثقة فى الدولة، وسنضع المشاركين فى مرمى نيران زملائهم.