حتى الآن لا توجد إحصائية رسمية لعدد المصريين العاملين بالخارج، هناك من يتحدث عن 8 ملايين، وآخرون يقولون إن العدد تخطى عتبة الـ10 ملايين مصرى، والسبب فى هذا الخلاف هو عدم إقدام المصريين على تسجيل أنفسهم فى سفاراتنا وقنصلياتنا بالخارج، لدرجة أن ولاية كاليفورنيا بالساحل الغربى الأمريكى بها أكثر من 500 ألف مصرى، من بينهم 10 آلاف فقط هم من ذهبوا للقنصلية المصرية بلوس أنجلوس لتسجيل أسمائهم وبياناتهم، أما الباقون فعلاقاتهم بالسفارة أو القنصلية موسمية أو حسب الحاجة.
حاولت الدولة أن تربط المصريين بالخارج بالدولة والسفارات عبر عدة أمور، منها أن يكون لهم صوت انتخابى، وأن يكونوا ممثلين فى البرلمان، فضلاً عن البعثات التى ترسلها وزارة الداخلية بشكل مستمر لاستخراج بطاقات الرقم القومى، وتجديد جوازات السفر لمن يحتاجونها، ووضعهم فى الاعتبار عند طرح مشروعات فى الداخل أو أراض للإسكان، وأخيرًا إنشاء وزارة دولة للمصريين فى الخارج، لكن كل ذلك لم يرق للمصريين فى الخارج، وظلوا على عهدهم بأن يكونوا على مخاصمة للسفارات والقنصليات المصرية إلا وقت الحاجة فقط، وقد حكى لى أحد الدبلوماسيين عن مصريين توافدوا على قنصلية مصرية منذ عدة أسابيع لتجديد جواز سفره، وفوجئوا بأنه يحمل جواز سفر الجمهورية العربية المتحدة الصادر منذ ستينيات القرن الماضى.
قد تكون هناك مخاوف شخصية لدى المصريين من التعامل مع السفارات، لكن هذا لا يمكن اعتباره مبررًا لهذه القطيعة أو المخاصمة، وعليهم أن يندمجوا مع المؤسسات التى تمثل الدولة فى الخارج، ويقدموا أفكارهم ومقترحاتهم ومساهماتهم التى تحتاجها مصر فى الوقت الحالى، خاصة أن عددًا ليس بقليل من المصريين فى الخارج يمكن أن يقدموا لبلدهم خدمات جليلة تساعدها على النهوض، ويكفى أن نشير إلى مساهمة علماء مصر فى الخارج فى وضع خطط تعليمية وعلمية للارتقاء بالبحث العملى فى مصر، وهو عمل مقدر جدًا لعلمائنا الذين لم يبخلوا على بلدهم بالوقت والعلم، وهو ما نتمنى أن يكون سمة أساسية لجالياتنا فى الخارج.
من الممكن أن تكون الدولة أو السفارات مقصرة بعض الشىء فى التواصل مع المصريين فى الخارج، وهو أمر يمكن تداركه بسرعة، على الأقل من خلال استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة التى تمكن بعثاتنا الدبلوماسية من أن تكون لها القدرة على التواصل مع أكبر عدد من المصريين بأقل وقت وأقل مجهود أيضًا، وقد أعجبتنى تجربة قامت بها قنصلية مصر العامة فى لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، من الممكن أن تكون قاعدة يمكن تعميمها على سفاراتنا وقنصلياتنا بالخارج.
التجربة باختصار أن القنصلية لها صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، مثلها مثل بقية بعثاتنا الخارجية، لكن الفارق هو أن القنصلية قررت هذه المرة أن تكون الصفحة أداة للتواصل، وليس لعرض إنجازات القنصلية والبيانات والتعليمات أو التحذيرات الصادرة منها فقط، وإنما حولتها إلى ما يشبه «شات مفتوح» بين القنصلية والمصريين هناك.
القنصلية التى تتولاها السفيرة لمياء مخيمر، تقوم باستخدام الصفحة للتواصل مع المصريين عبر الـ«فيس بوك ماسنجر» على مدى الساعة، فمن النادر أن تبعث باستفسار أو سؤال دون أن تجد ردًا من القنصلية.. من يطالع الصفحة سيجد أن إدارة الـ«فيس بوك» نفسها تشير إلى أن التفاعل عبر الرسائل مرتفع جدًا، وبمعدل رد %100، وفارق متوسط 5 دقائق على المجموع الكلى، رغم أن الرد يكون من اثنين فقط، هما الدبلوماسى الشاب المحترم أحمد عبدالعظيم ومعه دبلوماسى آخر، قرروا أن يفكروا خارج الصندوق، ونجحت تجربتهم فى إنشاء قاعدة تواصل مهمة مع الجالية المصرية، فضلاً عن إعداد قائمة بإيميلات ترسل عبرها القنصلية ما لديها من جديد إلى الجالية، والهدف واضح، هو التغلب على مشكلة التليفونات، لأن خطوط التليفون لا تكفى للرد على كل المكالمات.
هذه تجربة مهمة وبسيطة أيضًا، وقد يكون لها مردود جيد فى التواصل مع الجاليات إذا ما سارت كل بعثاتنا فى الخارج على هذا النهج.