من يدفع ثمن الكرسى ينتظر عائد الاستثمار كان مشهدا مكررا فى الكثير من الدوائر، وما زال، نقصد به مندوبى بعض المرشحين وهم يدفعون للناخبين أمولا تتراوح بين 100 إلى 300 جنيه للصوت، وفى الأوقات الحرجة يصل إلى 500 جنيه.
وإذا كان المرشح مجنونا فالناخب يحسبها، ويكتشف أن الألف صوت من - 300 - 500 ألف جنيه ـ والنائب فى بعض الدوائر يحتاج إلى 10 آلاف صوت وربما ضعف أو أضعاف، وفى أفضل الأحوال يسدد من 6 إلى 10 ملايين جنيه لشراء الأصوات غير باقى مستلزمات الدعاية.
وبرؤية استثمارية ينتظر النائب أرباحا لهذه الملايين. اعطنا عقلا.. إذا كان المواطنون يعرفون النواب الذين اشتروا الأصوات فازوا بشراء الأصوات فلماذا تعجز الأجهزة المعنية واللجنة العليا للانتخابات عن معرفتهم والتعامل معهم.
جريمة مكتملة، اعتداءا على القانون وانتهاك لحقوق الناخبين وإرادتهم. وهل يمكن الوثوق فى نائب اشترى اصوات الناخبين، ودفع ملايين فى شراء أصوات ليسرق كرسى مجلس النواب، وينتظر عائد الملايين من مقعد فى مجلس مهمته التشريع والرقابة.
نحن أمام نائب يدفع من أجل استثمار، وحصانة تمنع عنه العقاب على جرائم، أو يأمل الحصول على عوائد ما دفعه، أراضٍ مناصب وظائف أو حتى مجرد حصانة. فإذا كانت اللجنة العليا للانتخابات عجزت عن الإمساك بالأموال المدفوعة، وتجاهلت شراء الأصوات علنا، وتجاوز أسقف الإنفاق. فهل يمكن أن تكون هناك وسيلة لمراقبة سلوك وثروات هؤلاء النواب.
بعض النواب أثرياء، لكن بعضهم دفعوا المال لشراء الكرسى دفاعا عن أموال حصلوها بفساد أو تلاعب. صحيح أن المال السياسى يستعمل فى كل انتخابات، حتى فى الدول الديمقراطية فى أمريكا هناك داعمون للحزب الجمهورى وآخرون للحزب الديمقراطى، لكن كل هذا يتم بشكل علنى وبضوابط وقوانين وحتى هذا يخضع لجدل حول دور المال فى السياسة.
لكن الأمر عندنا يدخل فى سياق شراء الأصوات واستغلال أصوات الفقراء وتزييف إرادتهم يحتاج إلى تشريعات وضوابط تمنع مثل هذه الجريمة. وإذا كان النائب فاز بشراء الأصوات، فسوف يعارض أى تشريع يجرم شراء الأصوات.
وماذا نفعل ونحن أمام نواب فازوا بالغش والفساد، ينتظرون عائد ما دفعوه فى شراء الأصوات والكراسى مكاسب أو حصانة أو حماية. وهناك جدل بشأن الحصانة وطبيعتها، تطرف البعض ليطالب بإلغاء الحصانة البرلمانية من الأساس، والرد أن الحصانة مقررة للنواب فى مواجهة السلطة التنفيذية، وحتى يمكنهم تقديم استجوابات وطلبات إحاطة ومراقبة الحكومة ومحاسبتها من دون خوف. لكن ما يحدث أن بعض النواب كانوا يستغلون الحصانة فى فساد وجريمة، أو ابتزاز الحكومة للحصول على مكاسب وأراضٍ.
من هنا تأتى أهمية إعادة مناقشة فكرة الحصانة، لتكون للعمل البرلمانى مع منع النواب من الحصول على مكاسب شخصية من الوزراء، ومنها طلبات لتوظيف أبناء دوائرهم وهى رشوة أخرى فضلا عن أنها تضرب مبدأ تكافؤ الفرص.
وهو ما قد يتطلب تشريعا يحظر على النواب التدخل فى التوظيف، أو المكاسب فضلا عن التعامل بحسم مع المواد التى تمنع النائب من المتاجرة أو العمل مع الجهات الرسمية والحكومية، وهو ما يسمى تداخل المصالح والذى يفتح الباب للكثير من الفساد.
ظاهرة شراء الأصوات، فهى تثير الغضب وتشكك فى العملية الانتخابية، وتجعل للمال اليد العليا فى الإرادة، فضلا عن أنها تفرز نوابا لا يمكن الوثوق فى شرفهم السياسى والتشريعى، وهناك فرصة الآن قبل الغد أن نسعى لمواجهتها قبل أن تصبح واقعا فوق القانون. ثم أن شراء الأصوات يعنى أنه لا تغيير يمكن الوثوق فيه بعد سنوات كان الناس يحلمون بنواب فوق مستوى الشبهات فإذا بهم أمام نواب فى قلب الجريمة، ما بعد مستوى الشبهات وشراء الحصانة والأصوات.