لماذا يظن بعض المغفلين أن 25 يناير يمكن أن تتكرر كلما حانت ذكراها؟، ولماذا يسعى هؤلاء المغفلون لاستعادة أجواء التحريض والاستفزاز ومحاولة حشد الناس من أصحاب الحاجات بشكل متصاعد قبل موعد الذكرى بأسابيع؟.. المنطق يقول إن ثورة مثل 25 يناير كانت لها أسبابها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى عنصر التدخل الخارجى عبر إثارة الجماهير ببرامج مدروسة، وحثها على التظاهر من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، والسفارات الأجنبية فى مصر، ومنظمات التمويل المشبوهة، وعنصر داخلى مسلح هو تنظيم الإخوان الذى حول الثورة من بيضاء إلى دموية بجرائم القتل بعد 28 فبراير.
ولنا أن نسأل بموضوعية وتجرد: هل الظروف المؤدية إلى ثورة 25 يناير 2011 موجودة بنفس الدرجة من القوة لتدفع عموم المواطنين إلى الانتفاض، والخروج للاحتشاد فى ميادين القاهرة والمحافظات، والوصول لدرجة العصيان المدنى؟.. فى ظنى أن هذه الظروف غير مواتية الآن بأى صورة من الصور، وما ترويج المغفلين لذكرى الثورة باعتبارها مناسبة للانقلاب الشعبى على النظام فى مصر الآن إلا نوع من التمنى العاجز، عودتنا عليه قيادات الإخوان لتحقيق التماسك بين عناصر التنظيم فى الداخل والخارج.
لكن، لماذا يظهر ذلك الفصيل المستغرب دائمًا قبل ذكرى 25 يناير مستعيدًا أجواء النضال ضد الدولة المركزية القمعية، مطالبًا بلجنة حقوق الإنسان على الطراز الغربى حسب كتالوج الترويج، وليس كما هو حادث على الأرض فى الدول الغربية نفسها؟، هذا الفصيل من البرادعى إلى وائل غنيم وبينهما أسماء كثيرة مكشوفة ومفضوحة، تتحرك بالأوامر وتنفذ تكليفات تتعلق بتثوير الخاملين، وتحفيز غير النشطين، وتأليب المستقرين.. إلخ، لكن فات هذا الفصيل ومن يشغلونه ويصدرون التكليفات له أن الأوضاع تغيرت، وطبيعة اهتمامات الشعب المصرى تغيرت عما كانت عليه فى السنوات القليلة قبل 25 يناير 2011.
الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ليست نفسها قبل 25 يناير 2011، فاليأس الاجتماعى لم يعد موجودًا بنفس الدرجة العالية التى كانت فى الأيام الأخيرة من دولة مبارك الشائخة، على العكس من ذلك هناك أمل وتفاؤل كبيران بما يمكن أن تحققه دولة السيسى للمهمشين ومحدودى الدخل والفقراء، كما أن هناك انحيازًا واضحًا ضد الفساد، وتحالف رجال المال مع السلطة السياسية، وهو واضح بشكل كبير فى فصل الدولة بين رجال الأعمال الوطنيين الذين يستحقون الدعم والتشجيع، وبين رجال المال النهابين الذين يريدون استغلال ثروات البلاد وتحويلها إلى جيوبهم.
ولا يمكن إنكار الشعبية الجارفة التى يتمتع بها السيسى ونظامه بين المصريين، عكس مبارك ورجاله الذين خرج المصريون عليهم مع أول داع، سواء كانت نواياه صادقة للثورة أو لاستغلال أجواء الانتفاضة الشعبية لتحقيق أهداف لا تمت لمصالح المصريين بصلة، كما رأينا بوضوح عقب ثورة 25 يناير، وظهور فصائل الإخوان، والتدخلات الخارجية التى كشفت أن المشهد كان مدروسًا بدقة، وأن الشعب المصرى تم استغلال طموحاته وأحلامه وتطلعاته لتنفيذ أخطر سيناريو تدميرى للبلاد.
قبل ذلك وبعده، فالمخططون من الخارج والمغفلون فى الداخل وأصحاب التمنيات العاجزة من الإخوان جميعهم لا يدركون ولا يقدرون ولا يحسبون حسابًا للشعب المصرى نفسه، وإرادته الحقيقية، ولذكائه ووعيه بمصالحه العليا، فالشعب الذى ثار فى 25 يناير لم يكن يتحرك فقط بفعل برامج التثوير المدروسة، وإنما لرغبته فى الثورة على نظام شائخ لم يعد يمثله، عكس اللحظة الآنية التى يلتف فيها الشعب نفسه حول نظامه الوطنى لمواجهة هجمات الاستعمار الجديد، وإرهاب الإخوان وفصائل المستغربين المسخرة! مفهوم يا مغفلين؟ مفهوم يا باشوات؟ لذا أقول لكم جميعا: كل 25 يناير وأنت طيبون.