لا أدرى إلى متى سيظل النظام صامتا عن اتخاذ خطوات حقيقية للوقوف فى وجه غول الفساد الذى استفحل فى مصر، لدرجة أنه أصبح يشكل خطرا حقيقيا على مستقبل البلاد، ويمثل استفزازًا للسواد الأعظم من الشعب، وهم يرون أموال بلادهم تُنهب يوميا لصالح فئة كادت أن تنفجر من تخمة ما تلتهمه من ثروات هذا البلد يوميا، وسط صمت كامل من كل أجهزة الدولة.
فمنذ سنوات والمطالبات تكاد لا تتوقف من أجل وقف نزيف المال السايب فى (الصناديق الخاصة) التى تنتشر فى كل الوزارات والمحافظات والجامعات والمراكز والمدن المصرية، والمطالبة بضمها إلى وزارة المالية، بدلا من صرف أموالها على المكافآت والحفلات والسفاهة، دون أدنى رقابة عليها من أى من الأجهزة الرقابية فى البلاد.
على الرغم من أن التقديرات تؤكد أن عددها إلى ما يزيد عن (6000 صندوق) وتصل حصيلتها إلى نحو (500 مليار جنيه) سنويا، وعلى الرغم من عدم وجود سوى 27 مليار جنيه فقط من أموالها فى البنك المركزى.
وهو ملف شائك ومهم ويثير أمره كثيرا من علامات الاستفهام، أدعو الرئيس عبد الفتاح السيسى شخصيا للتدخل لحسم الأمر، إما بقرار، أو باقتراح تشريع يتيح لوزارة المالية السيطرة على أموالها وضمها لخزانة الدولة.
فعلى الرغم من ضخامة المبالغ التى تضخ فى تلك الصناديق وما يشوبها من فساد، فقد تقاعست وزارة المالية طوال العصور الماضية وحتى اليوم عن ضم تلك الصناديق بحصيلتها إلى الخزانة العامة للدولة، رغم علم الجميع أنها تمثل الباب الخلفى لفساد أغلب قيادات الجهاز الإدارى للدولة، والمحافظين ورؤساء المراكز والمدن، ورؤساء الأحياء والوحدات المحلية القروية، وأنه يتم صرف أموالها على الهدايا، ومكافآت وهمية لـ "لمحاسيب والحبايب" عن اجتماعات ولجان تافهة.
بل والأكثر من هذا، أن هناك جهات حكومية تقوم بعمليات الصرف دون مستندات رسمية، إلى جانب افتقار أغلب هذه الصناديق إلى نظم محاسبية سليمة، لدرجة أن أمر الفساد وصل فيها طبقا لدعوى أقامها أحد المحامين أمام القضاء الإدارى، أنه يوجد ما يقرب من 78 صندوقا خاصا بالجامعات المصرية، وأن هناك رئيسا للجامعة يتقاضى نسبة تصل إلى مليون جنيه شهريا من إحدى الصناديق التابعة لجامعته.
ولعل الغريب فى أمر تلك الصناديق أيضا، أنها تشكلت بالكامل بقرارات جمهورية لتستقبل حصيلة الخدمات والدمغات والغرامات وغير ذلك من الموارد، لينفق منها على تحسين الخدمات التى تقدمها الهيئات العامة التابعه لها وهو ما لا يتم.
ولعل الأغرب من ذلك ، أن حصيلة تلك الصناديق لا تدخل إلى خزينة الدولة، ولا تصب فى الموازنة العامة، بالتالى فانها لا تخضع لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، على الرغم من أن كل الأجهزة الرقابية وقيادات الدولة تعلم حقيقة وحجم الفساد بها.
وقد اعترفت وزارة المالية فى وقت سابق أن لديها حصرا شاملا بعمل تلك الصناديق دون أن تتخذ خطوة تذكر بشأن ضمها، أو حتى التحرك لإعداد قانونا أو تشريعا يسمح لها بهذا الأمر، بل على العكس أعلنت الوزارة عن أرقام مغلوطة وغير حقيقية لعدد تلك الصناديق وما تحتويه من أموال، حيث أكدت أن أرصدة الصناديق الخاصة تبلغ (27.275 مليار جنيه فقط) فى حين أن هذا الرقم يمثل فقط أرصدة 10% فقط من تلك الصناديق التابعه لعدد من الإدارات الحكومية فى البنك المركزى، فى حين أن 85 % من حسابات تلك الصناديق لا تعلم عنها وزارة المالية شيئًا، ولم تبد المالية أو أى من السلطات فى البلاد أى خطوة لحصرها.
وهو ما يعكس فشلا لا حدود له، حيث إن هناك المئات من الجهات الحكومية التى تعج بالمئات من الصناديق الخاصة لم تفتح حسابات بالبنك المركزى لتلك الصناديق، وتقوم منذ سنوات وحتى اليوم بالصرف منها استنادا إلى لوائح عافية قامت بوضعها دون أدنى رقابة من وزارة المالية، أو الجهاز المركزى للمحاسبات.
ولعل الأخطر فى الأمر، والذى لم يتحرك له أحد، أن الصناديق الخاصة ما زالت تعمل وفقا للقانون رقم (53) الذى تم إقراره فى عام 1973، وتم تعديله فى عهد مبارك، وتم تمريره لأغراض لا يعلمها سوى من وافقوا عليه، وما يزال معمولا به حتى الآن، حيث أتاح هذا القانون لمؤسسات الدولة فتح حسابات خاصة لتلك الصناديق فى البنوك التجارية والخاصة بعيدة عن البنك المركزى، وهو ما يؤكد أن الرقم الحقيقى المعلن لأموال تلك الصناديق غير حقيقى ويزيد كثير عما هو معلن، وأن الرقم الحقيقى طبقا لبعض لتقديرات يصل إلى نحو 500 مليار جنيه.
ولعل السؤال الذى يطرح نفسه الآن، لماذا يصمت النظام عن أمر تلك الصناديق؟.. ولمصلحة من نهب كل هذا الرقم الضخم من الأموال فى دولة تتفنن يوميًا فى فرض ضرائب ورسوم على الفقراء، وتسعى لاسترضاء العالم من أجل جلب منح وقروض لتغطية عجزها وعجز الموازنة.
ألا يستدعى الأمر تدخل من الرئيس؟.. أتمنى.