البعض وصفها بأنها طيش شباب، لكنها فى الحقيقة لم تكن كذلك، أنا أستطيع أن أجزم بأنها كانت فكرة مباغتة، اقتحمت عقل «مارك زوكربيرج» مؤسس موقع «فيسبوك» وملكت عليه تفكيره، فقرر أن يتخلص منها بأن يستجيب لها، تشاور مع زوجته وشريكة حياته وأم ابنته بشأن فكرته الصادمة، فوافقته، ماذا يريد الواحد من الدنيا غير «الستر»؟
ماذا يريد الإنسان من العالم غير «بسمة رضا»؟
ماذا سيفيدك به مالك بعد أن تلبس ما يسترك إن تعريت، وتأكل ما يشبعك إن جعت، وتتناول ما يشفيك إن مرضت؟ الحياة أبسط من تلك التعقيدات التى نورط أنفسنا فيها، ولهذا قرر «مارك» أن يتبرع بـ%99 من ثروته للجمعيات الخيرية احتفالا بقدوم ابنته إلى الحياة، وفى الحقيقة لم يكن «مارك» أول رجل أعمال غربى يقدم على هذه الخطوة الصادمة، فقد سبقه الكثير من رجال الأعمال الغربيين، أشهرهم بيل جيتس مؤسس مايكروسوفت، ووتيم كوك رئيس شركة أبل، لكن ما يختلف به مارك عن هذين العملاقين هو أنه تبرع بثروته المقدرة بـ45 مليار دولار، وهو فى ريعان الشباب، وهذا أمر نادر الحدوث.
المقارنة هنا بين رجال الأعمال المصريين ورجال الأعمال الغربيين، تبدو ظالمة، فلا أحد يطلب من رجال أعمال مصر أن يتبرعوا بكامل ثرواتهم أو نصفها أو حتى ربعها، لكن الملاحظة المؤلمة هى أن الدور الاجتماعى لرجال الأعمال المصريين يكاد أن يكون غائبا تماما، وإذا استبعدنا بضعة أسماء ناشطة فى هذا المجال مثل عائلة ساويرس، ومحمد فريد خميس، وأحمد أبو هشيمة، وحسن راتب، ومحمد السويدى، سنجد أن ما يمارس من أعمال خيرية حقيقية تكاد تكون معدومة، وأن بعض الاحتقان الذى يشعر به الفقراء تجاه الأغنياء يكاد يكون محقا، وللأسف لا يدرك الكثيرون من رجال الأعمال أن «الخير» حقا، يزكيهم ويطهرهم، ويحسن من صورتهم، ويجعل منهم قدوة صالحة يقتدى بها الشباب، ويبعد عنهم تلك الصورة الذهنية السيئة التى ترتسم فى أذهان البعض عن أهل الثروة.
أعلم تمام العلم أن الكثيرين من رجال الأعمال يقومون بأعمال خيرية فردية، وأن منهم من يرعى بعض المشاريع فى قريته أو حييه، ومنهم من يساعد بعض اليتامى أو يتكفل بعلاج بعض المرضى أو يساعد فى زواج بعض الفقيرات، لكن فى الحقيقة، فإن هذه الأعمال تتوه وسط غيرها من أعمال تقوم بها الحكومة أو الأهالى، وما ننتظره من رجال أعمال مصر هو أن يتبنوا مشاريع خيرية قومية تشعر الجميع بالدور الإيجابى لرجال أعمال مصر، نريد أن يتبنى مجموعة منهم- مثلا- مهمة القضاء على فيرس سى، أو أن يتعهد بعضهم برعاية البحث العلمى بما يضع مصر فى مكانة علمية لائقة، أو أن يتعهدوا بإنشاء مدينة سكنية مجانية لأوائل الخريجين، أو أن ينشئ أحدهم جامعة أهلية مثلما فعلت الأميرة «فاطمة إسماعيل» التى أنشأت جامعة القاهرة، أو أن يرعى أحدهم مشروعا ثقافيا ممتدا، مثلما رعى الأمير يوسف كمال الفن التشكيلى المصرى، وأنشأ كلية الفنون الجميلة، وأسهم فى تأسيس الأكاديمية المصرية بروما.