فيما كان الحديث داخليا وخارجيا منصبا على أن مصر بدأت تتجه ناحية الدب الروسى لمواجهة التعنت الأمريكى مع مصر بعد 30 يونيو، وأن القاهرة تحاول إحياء التحالف مع روسيا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وجهت القيادة المصرية درسا للجميع حينما خالفت كل هذه التوقعات والآراء وبدأت فى الاتجاه ناحية عواصم مختلفة، باحثة عن تحقيق عدة أهداف منها تنويع العلاقات والأحلاف، حتى لا تكون مصر رهينة لحلف معين، أو حبيسة سياسة واحدة أو توجه واحد.
القاهرة توجهت ناحية روسيا والصين ودول أخرى، وكانت ذكية حينما ركزت على فرنسا، خاصة لما تمثله فرنسا من ثقل أوروبى ودولى وكونها لاعبا أساسيا فى كثير من الملفات الإقليمية والدولية، لتعطى بذلك رسالة للجميع بأنها تسير خلف هدف واحد، هو المصلحة المصرية، شريطة ألا يضر ذلك بمصالح الشركاء والأشقاء، لأن مصر لا تريد أن تبنى تحالفات موجهة ضد أحد.
التحالف المصرى الفرنسى الذى ظهر قويًّا خلال الفترة الحالية، ضمن تحالفات أخرى بنتها القاهرة مع دول أخرى، يأخذ عدة مسارات، وإن كان المسار العسكرى طغى على بقية المسارات، خاصة بعد توقيع صفقة حاملتى المروحيات الحربية «ميسترال» التى تم التوقيع عليها قبل أيام قليلة بحضور رئيس الوزراء الفرنسى، مانويل فالس، الذى زار القاهرة يومى السبت والأحد الماضيين وبحث مع الرئيس عبدالفتاح السيسى تطورات الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط .
صفقة الميسترال هى الثانية بين القاهرة وباريس، خلال عدة أشهر فقط، بعد صفقة الـ24 طائرة «رافال» والفرقاطة «فريم» التى تم توقيعها فى فبراير الماضى بقيمة 5.2 مليار يورو، والصفقتان تؤكدان بداية تحالف بين القاهرة وباريس يمكن وصفه بتحالف الضرورة، لعدة أسباب منها أن القاهرة تبحث عن تنويع لمصادر السلاح، كما أنها تحاول بناء علاقات قوية مع الدول الكبرى خاصة ذات الاشتباك مع الأزمات الإقليمية مثل ليبيا وسوريا، ولا يخفى على أحد الدور الذى لعبته فرنسا حينما شنت طائرات الناتو غاراتها على قوات العقيد الراحل معمر القذافى، كما أن لباريس دورا فى الأزمة السورية من عدة أوجه، منها على سبيل المثال تفاعلها مع الوضع اللبنانى الذى يتأثر إيجابا وسلبا بتطورات الأوضاع فى سوريا، كما أن باريس كانت عضوا مؤثرا فى الاتفاق النووى الإيرانى، بالإضافة إلى الدور الفرنسى القوى فى أفريقيا التى تعتبرها القاهرة هدفا أساسيا لأجندتها الخارجية خلال الفترة المقبلة. فى المقابل فإن باريس تنظر لمصر الآن على أنها عامل استقرار مهم للإقليم، وأن توطيد العلاقات معها سيكون له نتائج إيجابية لباريس، ويظهر ذلك من الزيارات الفرنسية المتكررة للقاهرة، فمنذ وصول السيسى للرئاسة زار القاهرة الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند مرتين، الأولى لتوقيع اتفاق صفقة الرافال، والثانية لحضور افتتاح قناة السويس الجديدة، كما زارها رئيس الوزراء مانويل فالس، وزارها أكثر من مرة مسؤولو فرنسا من بينهم وزير الدفاع، كما زار السيسى باريس مرة واحدة، وشهدت الفترة الماضية لقاءات قمة بين السيسى وهولاند كان آخرها فى نيويورك على هامش مشاركة الرئيسين فى الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك سبتمبر الماضى.
تحالف الضرورة بين القاهرة وباريس ستظهر آثاره السياسية خلال الفترة المقبلة، بعدما تحظى مصر بدعم الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة خلال التصويت على ملف مصر للترشح لعضوية مجلس الأمن للمقعد غير الدائم لعامى 2016 - 2017، فهناك عدد من الملفات تتطلب التعاون والتنسيق بين مصر وفرنسا باعتبارها عضوا دائما بمجلس الأمن.