تخيل، أن مجلس النواب تلقى عرضا من إحدى القنوات العربية 100 مليون دولار للحصول على البث الحصرى لإذاعة جلسات مجلس النواب، نعم 100 مليون دولار تدفعها القناة العربية بلا أى تردد وبثقة تامة لتحصل على "إفيهات" المجلس، لتحصل على المواقف المحرجة، لتنفرد حصريا وبشكل يومى بإذاعة كل الكواليس أولا بأول لنواب البرلمان، من يبكى ومن يضحك ومن يلعب بالموبايل داخل القاعة، ومن يأكل فى البهو الفرعونى تاركا الجلسة.
أسئلة كثيرة تتراود إلى الذهن، لماذا تدفع القناة العربية هذا الرقم الكبير فى البرلمان المصرى، ولماذا قناة عربية، ليست مصرية، أليس المجلس بجلساته يعد أحد أهم أولويات الأمن القومى، نعم ستذاع الجلسات فى كل الأحوال على قناة صوت الشعب، ولكن من يحمينا من أى تلاعب قد تفعله القناة العربية، من يحمينا من انحرافها بشأن نقل جلسات البرلمان، من يحمينا من تصدير تلك القناة العربية البرلمان المصرى فى صورة "سمك، لبن، تمر هندى".
ليس لى موقف مضاد ضد القناة العربية، حقها وبحسابات المكسب والخسارة، فهذا تحرك إعلامى منها يستحق التحية، ولكن تخوفى أن الخطاب الأول، الذى تلقته الأمانة العامة لمجلس النواب من تلك القناة، لم يذكر فيه اسم القناة، وجاء مذيلا باسم محامى القناة، دون ذكر أى اسم للقناة، وهو الأمر الذى يدفعنى للريبة بشأن الأمر، فإذا كانت القناة تريد حقا إذاعة الجلسات فلماذا لم تعلن عن هويتها منذ المرحلة الأولى للتفاوض.
التخوف الثانى، نعم الجلسات مهمة وتستحق أن يدفع فيها أموال فهى ليست أقل من الدورى المصرى، ولكن هل تساوى جلسات المجلس 100 مليون دولار، الحكاية فيها "إن"، لا ينبغى علينا أن نستقبل تحرك القناة بصدر رحب، وبكل سعادة لأنها ستدفع للدولة 100 مليون دولار، علينا أن نستقبلها بتخوف حقيقى على أحد أهم دوائر صناعة القرار السياسى فى مصر السنوات الخمس المقبلة، على غرفة صناعة التشريعات المصرية، على أهم مبنى فى البلاد يوازى فى اختصاصاته وصلاحياته اختصاصات قصر الاتحادية، وفقا لما أقره الدستور الجديد.
ماذا تريد القناة العربية من برلمان 2015، هل تريد حقا نقل قضايا الوطن التى يتم مناقشتها أم تريد إخراج "بطن البلد" للخارج، لا أريد أن أتحامل على القناة العربية، ولكن أتحدث عن قضية تصنف بالأساس باعتبارها أمنا قوميا.
ما نريده هو بيان واضح من الأمانة العامة لمجلس النواب حول ملابسات عرض القناة العربية، والحديث بكل وضوح عن مدى دراسة العرض العربى بالأساس أو رفضه، وإن كان الأمر كذلك، فهل برلمان 2015 سلعة تباع وتشترى جلساتها مقابل ملايين الدولارات، أم أنه مجلس حقيقى يناقش قضايا الوطن ويحتاج منا جميعا التكاتف حوله ومساندته ليكون بحق برلمانا ينتقد انتقادا بناء للحكومة لا برلمان شتام، كما تريده القناة العربية، هل حقا نريد أن يكون برلمان 2015 حلقة يومية ساخنة فى التوك شو، ينفر منه الناس أم نريده مجلسا حقيقيا يعالج قضايا الوطن ويلتف الجميع حوله.
أجيبونا بحق، ماذا تريد القناة العربية من برلمان 2015، ومن يقف وراءها، وهل حقا تريد إذاعة الجلسات فقط أم تسعى للحصول حصريا على شىء لا نعرفه.