بادر الأشقاء فى المغرب بالقدوم إلى مصر بوفد شعبى رفيع المستوى يزور البلاد منذ حوالى أسبوع، ويضم نخبة ثقافية وفنية ومجتمعية متميزة، منهم الأديب والروائى والكاتب السياسى الدكتور حسن أوريد والمطربة المغربية المعروفة كريمة الصقلى، وكان من وراء نجاح الزيارة بالتأكيد السفير المصرى فى الرباط أحمد إيهاب جمال الدين والسفير النشيط محمد سعد العلمى، سفير المغرب بالقاهرة.
وجود الإخوة المغاربة بوفد شعبى يؤكد حقائق تاريخية كثيرة ويذيب أية شوائب قد علقت بجسد العلاقة القوية بين الشعبين الشقيقين نتيجة جهل أو عدم وعى من بعض الإعلاميين والفنانين والتى حاول ذوو النفوس المريضة النفخ فيها وإشعالها لتصبح أزمة بين البلدين، لكن خصوصية العلاقة بين القاهرة والرباط وبين الشعبين هنا وهناك والنخبة العاقلة فى الجانبين وأدت الأزمة فى حينها، وكان من المفروض أن يذهب وفد شعبى مصرى إلى المغرب للتأكيد على حسن العلاقة ورفضا لأية محاولات للوقيعة بين البلدين.
زيارة الوفد المغربى تؤكد أن هناك دورا حيويا ومطلوبا من القوى الحية والناعمة فى دولنا العربية، وفى مقدمتها الفنانون والإعلاميون والمثقفون لتمتين جسور الثقة بين الشعوب العربية، وهذا هو دور المثقف والفنان الحقيقى فى وطنه بعيدا عن تعقيدات السياسة والرسميات، فالتواصل الشعبى مطلوب لتقوية العلاقات وإزالة أى أسباب قد تنشأ للخلاف أو يحاول من فى قلبه وعقله مرض أن يفتعلها، ومصر فى قلب كل مواطن ومواطنة مغربية والمغرب فى قلب المصريين عبر تاريخ طويل من التواصل والإخاء والمحبة. والمطلوب هو المزيد من هذه الزيارات بين مصر والمغرب ومصر وأشقائها العرب، وهذا هو دور القوى الشعبية الحية بمثقفيها وفنانيها وأدبائها وإعلامييها أو ما يسمى بالقوى الناعمة للدولة، والكل شاهد مدى المحبة والود فى استقبال الأشقاء المغاربة فى الأقصر وفى المجلس الأعلى للثقافة وفى دار الأوبرا، حيث أقيم الحفل الفنى الكبير بالمشاركة بين كبار المطربين فى مصر والمغرب وعكس الحفل طبيعة العلاقة القوية بين البلدين والزخم التاريخى والفنى والأدبى والشعبى بينهما.
ورغم أن مصر فى مجمل علاقاتها العربية تتجه كثيرا إلى الشرق فإن المغرب العربى ظل يرتبط دائما بمصر بعلاقة قوية ولعب الفن المصرى دورا عبقريا فى توثيق وتقوية هذه العلاقات. وبمناسبة الفن يذكر أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر خلال زيارة إلى المغرب وأثناء سير موكبه مع الملك محمد الخامس، أوقفه مواطن مغربى من بين الصفوف المحتشدة ووجه كلامه إلى عبد الناصر قائلا «سى جمال أنت راجع فى القاهرة امتى؟» فرد عليه الزعيم بعفوية شديدة: بكرة إن شاء الله، فقال له المواطن المغربى بصدق شديد: «بالله عليك ماتنسى تسلملنا على إسماعيل يس».
ولا يفوتنا هنا علاقات الصداقة بين الملك الحسن الثانى، وعبدالحليم حافظ، والموسيقار محمد عبدالوهاب، حيث كان الملك الحسن محبا للموسيقى والغناء، وغنى العندليب الأسمر أغانى وطنية مغربية عديدة من بينها أغنية «الماء والخضرة فى عيد ميلادك يا الحسن».
التاريخ يذكر دائما العلاقات المصرية المغربية بالخير وتكاد تخلو من المشاكل على المستويين الرسمى والشعبى، وهو ما يحميها من أية أزمات عابرة أو مناوشات وترهات صغيرة من أهل الإعلام والفن وكرة القدم وفتاوى رجال الدين.
وهناك كتاب نادر صدر فى بداية الثمانينيات عن «تاريخ العلاقات المصرية المغربية منذ مطلع العصور الحديثة حتى عام 1912» وهو تأليف مشترك بين الدكتور يونان لبيب رزق، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس، والدكتور محمد مزين أستاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب فى فاس.