كثرت التحليلات والتقديرات التى قدرت تمثيل حزب النور داخل مجلس النواب بما يتراوح ما بين 40 إلى 50 مقعدًا، بالإضافة إلى ترجيح نجاح قائمة الحزب فى دائرة غرب الدلتا باعتبارها تضم عدد من المحافظات، التى تمثل كتلة تصويتية للتيار السلفي.
وجاءت نتيجة الانتخابات مغايرة لذلك على نحو كبير، ويدفع ذلك بالتساؤل عن أسباب التراجع الواضح لأداء الحزب خلال هذه الانتخابات على الرغم من كونه الصوت الإسلامى الوحيد، الذى أيد نظام ما بعد 30 يونيو.
فالمتتبع لأداء حزب النور خلال مرحلة ما قبل الانتخابات، وأثناء العملية الانتخابية ذاتها، يجد أن قادة الحزب أدركوا مبكرًا مواقف القوى السياسية (المدنية) تجاههم، على نحو دفعهم لاتباع استراتيجية تقوم على عدة ركائز قوامها، التحرك منفردًا عن القوى التى لا ترغب فى وجودهم فى الحياة السياسية، كما استمر تأكيد الحزب لدوره فى مواجهة الإرهاب من خلال تنظيم المبادرات والحملات الشعبية، وهو ما تجاهلته غالبية الأحزاب، إضافة إلى تقليله من الاستخدام السياسى للدين ووصل الأمر إلى استخدم الحزب للأغانى الوطنية بعيدًا عن الأغانى الدينية التى أعتاد استخدامها كنوع من الدعاية الانتخابية، ومهارته فى التشبيك مع القوى المجتمعية والفئات الموصوفة بالمهمشة، فنجح فى استقطاب الأقباط والمرأة.
فكيف نقرأ هذا التراجع الذى وصفه البعض بـ"الهزيمة الفادحة"، وذلك فى ضوء استراتيجيته البراجماتية التى تحسب لصالح إدارة الحزب، ففى الحقيقة هناك عدة عوامل متداخلة لكنه يمكن التمييز بينها؛ فأولها عوامل مؤسسية تتعلق بالتنظيم الداخلى لحزب النور، فالنور منذ عام 2013 حتى انتخابات مجلس النواب ليس هو حزب النور عام 2011، فقد شهد انقسامًا على مستوى القيادة وخروج المنشقين وتأسيسهم لحزب جديد خلال فترة وجيزة من الانشقاق، وهو ما يُفسِر أن القوى المنشقة كان لها تأثير على التنظيم الداخلى للحزب وعلى أدائه فى انتخابات مجلس النواب، باعتيار أن الانتخابات هى الأداء التى يمكن من خلالها تقييم الوزن السياسى للأحزاب.
وثانيها، يمكن تفسيره بالتحول الكبير الذى طرأ على المزاج العام للشعب المصرى خلال تلك الانتخابات، والتى تختلف عن السياق الذى أجريت خلاله الانتخابات النيابية السابقة، التى شهدت صراعًا على مستقبل النظام السياسى، أما فى هذه الانتخابات فقد حدث تحول فى الرأى العام، والذى انعكس بدوره فى تصويت الناخبين لممثليهم، حيث كان رافضًا لهذا التيار، إضافة إلى غياب الاستقطاب بقدر كبير خلال هذه الانتخابات، بخلاف السابقة التى كان فيها الاستقطاب حادًا وكان توزان القوى فيه لصالح تيار الإسلام السياسى، أما وقد تراجع هذا الصراع، إلا أن الفاعل – وهو تيار الإسلام السياسى- تأثر به، فإذا كانت "الهوية" هى التطابق مع الذات، وتطابق الحاضر مع الحاضر على حد تعبير المفكر المصرى الدكتور حسن حنفى، فيمكن القول بأن هذه الانتخابات مثّلت مرحلة التطابق مع الذات والحاضر، فالجماعة الأم لتيار الإسلام السياسى، هى جماعة الإخوان المسلمين يُنظر إليها اليوم أنها جماعة إرهابية، وهو ما أثر فى صورة التيارات القريبة منها لاسيما حزب النور.
وثالثها، الحملات الإعلامية، فلا يمكن إغفال تأثير الحملات الرافضة للأحزاب الموصوفة بالدينية، والتى برزت فى سياق فتح باب الترشح، وذاع نشاطها مثل حملة "لا للأحزاب الدينية"، فقد اكتسبت هذه الحملة ثقة من بعض القوى السياسية والمجتمعية، واستهدفت حزب النور بشكل واضح، وقد مثّل تطور نشاطها قلقًا لقيادات الحزب، كما أن استخدامها لشبكات التواصل الاجتماعى وإبراز نشاطها المعادى تجاه حزب النور من الأرجح أنها مارست تأثيرًا على الناخبين للتصويت لغير صالح مرشحى الحزب، ودعم من هذه الحملات أن القوى السياسية خلال مرحلة ما بعد 30 يونيو تشككت فى نوايا حزب النور، وروجت إعلاميًا أنه أشد قسوة من الإخوان، لاسيما فى قضايا المرأة والأقباط، وهو ما دفع الحزب إلى تغيير مواقفه من هذه القضايا وبدأ فى التعامل معها، وهو ما انعكس فى برنامجه الانتخابى، إلا أنه فشل فى الترويج لها.
إضافة إلى ما سبق، أن مشاركة حزب النور فى العملية السياسية بعد 30 يونيو أدت إلى حدوث خلافات وانقسامات كبيرة داخل التيار السلفى - الذى كان موحدًا وأيد الحزب فى الانتخابات السابقة- ففريق تحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، وآخر عارضها، فى حين أن التيار المعارض لحزب النور كان أكبر، وذلك لقدرة الإخوان على إقامة شبكة من التحالفات، التى لم تشهدها الحركة الإسلامية طوال تاريخها، فتحالفت مع عدد من التيارات السلفية، وعلى رأسها الجماعة الإسلامية وبقايا تنظيم الجهاد والجبهة الشرعية للحقوق والإصلاح والجبهة السلفية.
وفى النهاية، يجب التأكيد على أن تمثيل حزب النور داخل مجلس النواب لا يتناسب مع الكتلة التصويتية التى حصل عليها، فشكل النظام الانتخابى المعمول به فى الانتخابات قد أهدر عددًا كبيرًا من الأصوات التى انتختب قائمة الحزب فى القاهرة وغرب الدلتا، والتى تقدر بنحو ما يزيد عن المليون صوت، ومن ثم غاب تمثيل هذه الكتلة التصويتة، والتى كان من المتوقع حال العمل بالقائمة النسبية أن يحقق الحزب عدد أكبر مؤكد من المقاعد.
باحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية