ما يجرى فى إثيوبيا من احتجاجات لجماعات «الأورومو» فى غرب البلاد، يجب أن ننظر إليه على أنه «شأن داخلى»، فمصر ليست فى صراع أو عداء مع أديس أبابا، والعلاقات السياسية والشعبية فى أعلى درجاتها منذ منتصف التسعينيات، ورئيس الوزراء ديسالين هو أكثر الشخصيات الأجنبية التى التقاها الرئيس السيسى، خلال أقل من عام ونصف العام، من فترة رئاسته بداية من مالابو فى القمة الأفريقية بغينيا الاستوائية فى صيف العام الماضى، وما تلاها من لقاءات متكررة حتى زيارة البرلمان الإثيوبى الأخيرة، لإقرار وثيقة المبادئ الخاصة بمفاوضات السد الإثيوبى.
من المفترض ألا نتورط على أى مستوى سياسى أو شعبى أو إعلامى فى الأحداث الجارية حاليا من احتجاجات فى غرب إثيوبيا على توسعات سد النهضة، حتى لا نجد أنفسنا فى أزمة مع النظام الإثيوبى، نحن فى غنى عنها فى ظل المفاوضات الشاقة والصعبة بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن السد، ولا نعتبر أنها مظاهرات مؤيدة لموقف مصر من السد، وأنها مثلما قالت بعض الصحف إنها «انتقام الشعب الإثيوبى من نظامه»، وترديد الشعار المقيت والكريه «الشعب يريد إسقاط النظام».
هذه لغة خطاب تضر بالمصالح المصرية العليا وبالأمن القومى المصرى. والخارجية المصرية فعلت حسنا فى بيانها الذى أكد هذا المعنى، وعلى أن إثيوبيا دولة كبيرة فى المنطقة واستقرارها مهم، وأن مصر مع كل ما يعود بالنفع والرخاء على الشعب الإثيوبى الشقيق، وأن استقرار وتنمية إثيوبيا جزء من استقرار وتنمية مصر.
إن الموقف الرسمى لمصر مع استقرار الأوضاع الداخلية بإثيوبيا وباقى الدول الأفريقية، وأن مصر كعادتها لا تتدخل فى شؤون أى من الدول، ولا تقبل أن يتدخل أحد فى شؤونها، وأن هناك بعض وسائل الإعلام تناولت الشأن الداخل الإثيوبى بشكل غير مسؤول وباقى دول أفريقيا.
علينا أن نفهم بعقلانية ماذا يحدث هناك، وأن الأمر يتعلق بقضية مشابهة إلى حد كبير مع ما حدث أثناء التخطيط لتشييد السد العالى وتهجير أهالى النوبة لبناء السد، لكن الفارق أن الأمر فى إثيوبيا أن الأمر أخذ منحى آخر غير سلمى منذ أكثر من شهر بانتفاضة لقبائل أو جماعات الأورومو على التوسعات فى سد النهضة، وانضمت إليها قبائل أخرى مثل الأوجادين، التى تسكن فى غرب الحبشة، وهى القبيلة التى يقام على أرضها السد، بالإضافة إلى قبائل تاريخية أخرى مثل بنى شنقول وعفر، بسبب المخاوف من التوسعات والتمدد فى البناء وتهجير الفلاحين المنتمين إلى الأورومو من أراضيهم، وتغيير التركيبة السكانية والعرقية والهوية الثقافية لأكبر عرقية فى إثيوبيا وهى الأوروميا.
خطورة الاحتجاجات والمخاوف من توسعها هى أن جماعة الأورومو لها امتدادات عرقية فى إثيوبيا وشمال كينيا وفى الصومال وعدد أفرادها فى دول عديدة حول العالم 45 مليون نسمة، كما ذكرت التقارير الحقوقية العالمية، ويشكلون واحدة من أكبر الإثنيات فى إثيوبيا بحوالى نصف السكان، ويصل عددهم إلى أكثر من 25 مليون نسمة، ويعتنق معظم أفرادها الدين الإسلامى، وإقليم أوروميا أو بنى شنقول يشمل ممالك عديدة لها تأثيرها فى صنع القرار المحلى، وربما ما شهدته الاحتجاجات من رفع علم مصر له معنى تاريخى بأن هذه القبائل لها علاقات تاريخية قديمة بمصر، ويقال: إن لهم أصولا تعود إلى النوبة وحلايب وشلاتين، وعلماء المصريات يذكرون أن بعض الأمراء الذين رحبوا بقدوم الملكة المصرية حتسبشوت إلى بلاد بونت- أراضى الصومال حاليا- كانوا يحملون اسم أمراء أورمو، وانتشر بينهم الإسلام بسبب علاقاتهم التجارية القديمة مع الجزيرة العربية.
هذه هى خطورة توسع وانتشار الاحتجاجات لجماعات الأورومو فى إثيوبيا، وفى النهاية الشعوب هى التى تقرر مصيرها.