ربما أختلف عن كثيرين انتقدوا وزير التنمية المحلية "أحمد زكى بدر"، عندما كان وزيرًا فى حكومة مبارك أو الآن؛ ذلك أنى كنت ممن عاصروا الرجل عندما كان رئيسًا لجامعة عين شمس، وكنت وقتها أدرس فى كلية الآداب بالجامعة ذاتها، و"بأم عينى" رأيت كيف أن هذا الرجل ضمن قائمة المسؤولين المتخصصين فى إشعال غضب من حوله بأسلوب إدارة يندرج تحت شعار "فقر الفكر وفكر الفقر"، فلا هو ممن يعملون بشكل احترافى، ولا ممن يعلون صوت الكفاءة معيارًا، ولا ممن هم وأشداء فى الحق والعدل، ولا من أولئك الذين يتصرفون بسياسة ودهاء ويغلبون المصلحة العامة؛ بل كان دينه وديدنه الصدام ، وعلى هذا النحو عمل رئيسًا لجامعة عين شمس، ثم وزيرًا للتربية والتعليم فى عهد مبارك، والآن وزيرًا للتنمية المحلية.
طيلة الفترة الماضية، ومنذ أن جاء زكى بدر وزيرًا للتنمية المحلية لم أكتب كلمة واحدة مدحًا أو هجاءً، آملًا فى أن يكون الرجل الذى أعرفه تغير وبدأ يدرك أن الزمان ليس كالزمان، وما كان يصلح عندما جاء وزيرًا لمبارك لم يعد ينفع الآن، إلا أنه خيب أمنياتنا، وصدقت توقعاتنا، ورأينا أحمد زكى بدر الذى عرفته منذ زمن، بعدما غض البصر عن كل مساوئ المحافظين وفشلهم، وأطلق رصاصته صوب المحافظ الوحيد – نعم الوحيد – الذى كان يجتهد ويعمل ويحتك بالشارع ويتعرف على مشاكله عن قرب، حتى صار صديقًا لأهالى الشرقية.
زكى بدر عاد لشهوة الاستئساد واستأسد على محافظ الشرقية، الذى دخل كل بيوت الدبابير بالمحافظة، ونزل الشارع أكثر من كل محافظى الجمهورية كافة، وليس أدل على ذلك من الغضب الذى عم الشارع الشرقاوى بعد قرار إقالة رضا عبد السلام، لاسيما بعدما جاءت الإقالة على هذا النحو من الشكل المهين الذى لا يصدر إلا عن مسؤول بفكر أحمد زكى بدر.
زكى بدر يعرف جيدًا أن لديه محافظين لا يعملون، بل لا يتواجدون فى محافظاتهم التى يتربعون على عرشها، ويقضون معظم أيام الشهر بالقاهرة أو بمسقط رؤوسهم، وعندما يتواجدون بمقر عملهم، يجلسون داخل مكاتبهم، بينما تعانى المحافظات من مشاكل لا حصر لها، ولا هم يعلمون عنها شيئًا، ولو علموا لما استجابوا، ومع ذلك لم يستأسد سوى على المحافظ الذى يعمل ويكد ويجتهد، ربما لأنه لا يملك مستوى نفوذ الآخرين، وليس من عينة "المحافظين البهوات"، الذين يحملون لقب "لواء أو مستشار"!.
قرار وزير التنمية المحلية لا يوصف إلا بـ"الخائب"، ليس فقط لكفاءة المحافظ الذى أقاله، ولا حتى بسبب الطريقة المهينة فى إبعاد مسؤول بهذا الحجم، ولكن لأنه قرار يفقتد للحنكة والإحساس بالفترة المقبلين عليها، لأننا فى الوقت الذى تعمل فيه الدولة على تقليل حجم الغضب الشعبى، ومكافحة كل ما يمكن أن يؤدى لسخط جماهيرى، قبل 25 يناير ، خرج وزير "الخيبة المحلية" بقرار أثار غضب الشارع فى محافظة الشرقية، حتى وصل الأمر إلى دعوات للتظاهر بسبب القرار، وهى ما واجهها الوزير بمكالمة للمحافظ المقال "أقعد فى البيت اليومين دول"!.
وأخيرًا أقول أن أحمد زكى بدر لم يفاجئنى بهذا القرار، بل أننى دائمًا أتوقع من هذا الرجل كل ما هو صدامى، ولكننى أدعو الدولة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه خطايا الاستعانة بمسؤولين من هذه العينة وبهذه الأفكار، حتى لا تندهش من أى سخط شعبى يحدث وتتحدث كما لو أنها بريئة لم تفعل شيئًا، بينما هى صاحبة الخطايا بتعيين كل أحمد زكى بدر فى مؤسساتها، ثم بعد ذلك يسألوننا "لماذا الغضب"!.