حين تتحدث أمريكا عن أن مقتل زهران علوش زعيم تنظيم "جيش الإسلام"في سوريا يؤدي إلي تعقيد حل الأزمة،فلابد أن يخضع هذا الرأي لعشرات علامات الاستفهام.
وحين تتحدث أطراف عربية بمثل ما تحدثت به أمريكا،فحتما سنعرف أن"علوش"لم يكن تعبيرا عن حالة مستقلة تبحث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان كما يتشدق الغرب، وإنما حالة صنيعة أطراف إقليمية ودولية لأغراض تخصها هي،وليس لها علاقة من بعيد أو قريب بسوريا التي يطمح الشعب السوري إليها،ويريدها كل إنسان عربي .
وحين يصف السياسي اللبناني وليد جنبلاط اغتيال"علوش"بأنه"اغتيال للعملية السياسية " ، فهذا يعني أننا أما حلف يتأسي علي فقيد كان ينفذ أهداف وخطط كل أطراف هذا الحلف،حتي لو كان يقول كلاما غير ذلك، وحتي لو كان يستدعي آلاف الحجج التي ينسبها إلي الإسلام اتساقا مع اسم جيشه"جيش الإسلام ".
بالطبع سنحتاج إلي أن ننزع عقولنا من رؤوسنا حتي نصدق،أن"جيش علوش"،يختلف عن " جيش داعش"و"جيش النصرة "و"جيش الفتح"و"جيش القاعدة "،فكل الذين يقاتلون في سوريا ويتحدثون عن الإسلام نهارا وليلا ويمارسون الإرهاب في نفس الوقت بأبشع صوره هم في سلة واحدة.
فهؤلاء لن نجد فيهم من يقاتل من أجل الديمقراطية والعدل والحياة بكرامة،لن نجد فيهم من يقاتل من أجل فلسطين،ومن أجل تحرير الأرض المغتصبة،ولن تجد فيهم من يقاتل من أجل مشروع للنهضة،و"جيش الإسلام "ليس استنثاء من هذا،فهو واحد من جماعات الإرهاب التي يناصرها سلفيون وإخوان،وهذا وحده يكفي للتدليل علي فهم خطه السياسي،وإذا كان البعض يراه أنه أخف قسوة من"داعش"و"النصرة "و"القاعدة "،فإن هذا لا يعد دافعا للاطمئنان علي ما سيفعله في المستقبل.
ولننظر بعين العبرة إلي تجارب مثل"طالبان"في أفغانستان،والإخوان في السودان ومصر وغيرها،فكل هؤلاء بعد أن تمكنوا من الحكم انقلبوا علي الديمقراطية ممارسة وعقيدة،لسبب بسيط يكمن في أن خطابهم من الأصل ضد حقوق الإنسان،وضد العيش بحرية وكرامة،وضد ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية،وهل بمقدورنا أن ننسي ونهمل ما فعلته الجماعات الإرهابية في سوريا من تدمير للتراث الحضاري في سوريا والذي تكون عبر آلاف السنين ؟.
البكاء علي"زهران علوش"والذي وصل إلي حد التراشق بين أمريكا وروسيا وحزن تركيا ،يكشف عن ملامح مشروع المستقبل لسوريا طبقا لتجهيزه في غرف الغرب وتركيا والأطراف الإقليمية المعنية في المنطقة ،ويقوم هذا المشروع علي التخلص من بشار الأسد والجيش العربي السوري بأي ثمن،وإطلاق يد القوي الإرهابية لتحقيق هذا الغرض بصرف النظر عن أنها تكفيرية ،وهو نفس السيناريو الذي اتبعته أمريكا في مواجهة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان بدءا من مطلع ثمانينيات القرن الماضي،وحشدت الإدارة الأمريكية حلفا فيه السعودية ومصر،بغرض إنزال الهزيمة بالجيش الروسي،ومضي هذا السيناريو إلي محطة"طالبان"و"القاعدة "،وبزغ نجم اسامة بن لادن،وأيمن الظواهري،ودخلت المنطقة والعالم كله في معاناة رهيبة بسبب هذا السيناريو الأمريكي اللعين الذي تواطأت أطراف عربية معه ، ومضت في تنفيذه باسم محاربة الإلحاد .
شئ من هذا السيناريو الذي حدث في أفغانستان يحدث الآن في سوريا،فالذين صنعوا"طالبان "،وساهموا في تمويلها،وفتحوا بلادهم لها ،هم الذين يصنعون الآن جماعات مماثلة في سوريا ،يعطونهم المال ،ويحركونهم علي مسرح العرائس،ويستدعونهم علي طاولة المفاوضات،ومن هنا نفهم سر البكاء والغضب علي مقتل"زهران علوش"،فالذين صنعوه هم الذين يبكوه ،غافلين أنه وفي حقيقته وعلي أقل تقدير بمثابة نواة ستطرح إرهابا،في حال أصبحت سوريا تحت سيطرة جيشه"جيش الإسلام "،إرهاب لن يختلف عن إرهاب القاعدة وداعش والنصرة وجيش الفتح وغيره ممن دفعتهم الطامحون لتمزيق سوريا وتقسيمها.