أبكانى على البدرى فى مسلسل «ليالى الحلمية» الذى هو «ممدوح عبدالعليم فى الحقيقة، حين غالبته دموعه وهو فى السجن فور أن تلقى خبر زواج «زهرة السماحى» التى هى فى الحقيقة «آثار الحكيم»، كان «على البدرى» يقضى فترة عقوبة السجن بسبب اتهامه فى قضية 15 مايو 1971، وهى القضية التى حاكم فيها السادات رجال دولة جمال عبدالناصر. اتصلت بعد انتهاء الحلقة بالمؤلف صديقى «أسامة أنور عكاشة»: «إيه العظمة دى يا أستاذ؟»، تطرق حديثى إلى الكلمات المدهشة التى قالها «على البدرى»، وهو يذرف الدموع على حلمه الذى ضاع فى الحب والسياسة والأمل والدراسة، فأخبرنى أسامة: «دموع ممدوح عبدالعليم حقيقية مش تمثيل يا سعيد، كل ما تشوفه يبكى فى مشهد أعرف على طول إنها دموع من القلب، ممدوح ده رائع، موهوب، إنسان» كانت هذه اللفتة من أسامة بمثابة إذن لى بأن تهزمنى دموعى كلما سالت دموع على البدرى فى «ليالى الحلمية»، وكلما سالت دموع آخرين فى المسلسل، بكيت حين بكى زينهم السماحى على موت شقيقه، طه السماحى، وابن شقيقه ناجى السماحى، وحين نزل الغم والحزن بـ«ناجى» على فشل قصة حبه لابنة عمه «قمر السماحى». اتصلت بـ«ممدوح عبدالعليم»، تحدثنا عن «على البدرى»، كان يعيشه بكل كيانه، كان هدفى من الاتصال إجراء حوار صحفى معه، تعددت الاتصالات وكلها تنصرف إلى الحديث عما آراه فى على البدرى ومنها إلى قضايا أخرى، أسهم فى ثرائها أنه عرف من مكالمتى الأولى أننى ناصرى، ولأنه ناصرى أيضا توافقت المعادلة الكيميائية، لكن فكرة الحوار الصحفى توارت وراءها تماما، هو كان من الفنانين الزاهدين فى الظهور الإعلامى، رغم غول موهبته الفنية. مرت السنوات حتى شاركته فى ندوة بـ«اليوم السابع» بعد الجزء الثانى من مسلسل «المصراوية» تأليف أسامة أنور عكاشة، حضر أسامة رغم مرضه، وحضر هو رغم زهده فى مثل هذه المشاركات، ولما رحبت به كثيرا، قال جملة لم أنسها: «اللى كلمنى زميلكم جمال عبدالناصر» ولما سمعت اسمه قلت له: «اشجينى، اشجينى، أنت على اسم الحبيب، أنا كده هحضر الندوة»، كان يشير إلى زميلى فى الجريدة الصحفى المحترم «جمال عبدالناصر» الذى نظم الندوة ودعا لها، لكنه بسرد هذه القصة البسيطة كان يجدد تأكيده على انحيازاته السياسية والفكرية، وأن لا شىء تغير منه نحوها، فهو كان كذلك منذ صغره، ومن هنا نفهم سر عدم حبه لـ«السادات»، وموقفه الأقرب للحياد من «مبارك»، وعدائه لجماعة الإخوان، وتوقعه بسقوط محمد مرسى بعد انتخابه رئيسا. سكن «على البدرى» قلوبنا، فهو المعبر عن حلمنا المجهض، وحزننا الشجى، والانتقال من حالة إلى نقيضها، نعم كان النص العبقرى الذى كتبه «أسامة أنور عكاشة» هو الأساس، لكن عبقرية النص اكتملت بعبقرية أداء ممدوح عبدالعليم للشخصية، نفس العبقرية التى أدى بها أدوار «سامح» فى «الحب وأشياء أخرى»، و«رفيع بيه» فى «الضوء الشارد»، و«حربى» فى «خالتى صفية والدير»، والعمدة فى «المصراوية» و«طارق بن زياد» فى مسلسل «الطارق»، و«سامحنى ما كنش قصدى» ودوره فى مسلسل «أبيض فى أبيض» الذى ظلم إعلاميا أدواره وأدواره فى أفلام «كتيبة إعدام» و«سمع هس»، و«الحرافيش»، و«البرىء»، و«سوبر ماركت»، وأعمال أخرى كلها علامات فنية رائعة. عاش ممدوح كتلة صدق متحركة، وعلى هذا الأساس ظهر فى كل أدوراه الفنية، يبكى بجد فى أدوراه حين يكون البكاء، ويضحك حين يكون الضحك، فعل كل ذلك بيقين أن «الصدق هو أقصر الطرق للقلب»، ولهذا سكن القلوب وبكاه الجميع، وألف رحمة ونور عليه.