لا أعرف لماذا ينتاب البعض حالة من الهستيريا كلما اقترب موعد ذكرى 25 يناير، عشرات الأحاديث التليفزيونية، مئات المقالات والتصريحات، تحذيرات يغلب عليها اللون الأحمر، صرخات استغاثة تشعرك بأن القيامة ستقوم الآن، والأكثر من هذا هو أن البعض يمضون فى ربط جنونى لكل شىء سىء باقتراب هذا الموعد، فإذا حدثت أزمة مرور يدعى البعض أن هناك تعطيلا متعمدا للمرور من جانب بعض المناهضين للدولة لإغضاب المواطنين، وإذا حدثت واقعة إرهابية يدعى البعض أن سبب وقوعها الآن هو التمهيد ليناير، وهكذا يتم شحن المجتمع كل يوم بإضافة تفسيرات وتحليلات فى غير محلها إلى الأخبار العادية والحوادث التى أصبحت اعتيادية، مما يعمق حالة الفزع، ويؤجل الشعور بالطمأنينة والاستقرار، وبالتالى يعود هذا بالسلب على جميع مناحى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكهذا أيضا نخرب بيوتنا بأيدينا وبأيدى الإرهابيين.
لابد هنا أن أشير إلى أن بعض من ينتابهم هذه الهستيريا التى أسميها «فوبيا يناير» ينطلقون فى شعورهم من منطلق وطنى مشروع، خاصة فى ظل تردى الأوضاع فى الوطن العربى ودول الجوار، ولا يقدر أحد أن يلوم خائف، لكن فى الحقيقة أيضا هناك بعض المرتزقة الذين يأججون النار ليل نهار من أجل الاتجار بالخوف، وإذكاء الاحتقان المجتمعى بين شباب يناير وبقية الشعب المصرى، فهؤلاء ليسوا أكثر من مصاصى دماء، يريدون أن تظل جروح مصر مفتوحة بينما هم من الدماء يشربون، لا يهمهم استقرار، ولا يهمهم سلام، ولا يهمهم أمن، ولا يهمهم مستقبل، فقط هم مهتمون بأن تظل المعركة قائمة والنيران مشتعلة ليظلوا فى صدارة المشهد، فقد أسسوا مجدهم على الشتائم، وأسهموا برعونتهم فى تقسيم المصريين إلى كنتونات، ثم إعادة تقسيم الكنتونات إلى شيع، وإعادة تقسيم الشيع إلى شعاب، حتى صار كل واحد يظن أنه «دولة» وأنه «قائد الدولة»، وأنه الوطنى الوحيد ودونه خائنون، فصارت مستشفى الأمراض العقلية أولى بهم.
سيأتى يوم 25 يناير كما أتى فى الأيام السابقة، وسيمر يوم 25 يناير كما مر فى السنوات السابقة، ولن يخسر أحد شيئا إلا الوطن الذى انتظر وترقب وسكن فى الخوف والريبة، فتعطلت مصالحه وتوقفت استثماراته وتنازع أبناؤه، فليس فى مصر ما يدعو للخوف، فمازالت الحكومة المصرية تحظى بقبول غالبية المصريين برغم ما بها من أخطاء، ومازال الرئيس عبدالفتاح السيسى يحظى بقبول شعبى طاغ لا يشكك فيه أحد، ومازال الوطن بحاجة إلى التقاط الأنفاس وابتداء الإصلاح، ولا يوجد فيما نعيشه كل يوم ما يدعو للثورة أو التمرد، ويؤسفنى أن أقول وعى الرجل العادى فى مصر الآن أصبح يفوق وعى النخب الإعلامية بكثير، فبحكمته وإدراكه وعمق وعيه الوطنى يدرك أن مصر بحاجة الآن إلى التكاتف برغم كل ما يعانيه، فتعلموا من هذا الشعب المعلم، واعملوا للوطن لا عليه.