متى تنتهى سياسة انصر أخاك ظالماً أو ظالماً؟.. لا أحد ينكر وجود فساد، بدليل هذا الكم من القضايا الموجودة أمام القضاء وتشهد محاكمة العديد من المسؤولين السابقين الثابت ضدهم الفساد، كما أن وجود الأجهزة الرقابية فى مصر إحدى الآليات المهمة والفعالة لمواجهة الفساد، خاصة أن السلطة منحت هذه الأجهزة حرية تامة فى التحرك للكشف عن الفساد الذى يعترى أى مؤسسة أو هيئة أو وزارة، من واقع يقين ثابت لدى أعلى شخص فى الدولة بأنه لا أحد فوق المساءلة طالما أخطئ أو تورط فى شىء غير قانونى.
الأجهزة الرقابية بالطبع تضع أمام القيادة السياسية بشكل دائم كل ما لديها من تقارير حول الفساد وحجمه فى الأجهزة الحكومية، لذلك انتفضت الدولة فور تصريح المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، بأن حجم الفساد فى 2015 فقط وصل إلى 600 مليار جنيه، فما قاله جنينة لا تعلم عنه الدولة شىء، لأن كل تقارير الجهاز التى وصلت الحكومة ليس بها هذا الرقم، فكان قرار رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة تقصى حقائق فيما أعلنه جنينة، وانتهت هذه اللجنة إلى تقرير أرسلته للبرلمان للبت فيه، وفيما انتهى إليه تحديدًا فى البنود الخمسة التى تصف وتحلل ما اعترى تصريحات جنينة وما شابها من قصور، ومن أهمها التضليل والتضخيم الذى جاء فى التصريحات التى افتقدت للمصداقية، وتعمدت إغفال حقائق كانت واضحة أمامه، وإساءة توظيف الأرقام والسياسات مما يظهر الإيجابيات بشكل سلبى، وأخيرًا إساءة استخدام كلمة الفساد ووضعها فى مواضع أبعد ما تكون عما أقرته القوانين والمواثيق الوطنية والدولية والتعميم والخلط بين الوقائع والإجراءات، وبين ما تم حسمه وما لم يتم حسمه، وبين ما هو عام وما هو خاص، الأمر الذى يصور كل الجهود والمبادرات التى تبذلها الدولة على أنه لا طائل من ورائها.
تقرير لجنة تقصى الحقائق جاء كاشفًا لكى شىء، ووضع الجميع أمام الحقيقة التى حاول رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات إخفاءها، بل التلاعب بها لغرض فى نفسه هو، والغريب أنه رغم وضوح الحقيقة وضوح الشمس إلا أن هناك من أراد مجاراة التضليل الذى سار عليه جنينة، ومن بين هؤلاء سياسيين المفترض أنهم موضع ثقة، لكنهم للأسف جاءت مواقفهم مع هشام جنينة منطلقة من مبدأ ثابت لديهم وهو انصر أخاك ظالمًا أو ظالمًا، فحمدين صباحى أو عبدالمنعم أبوالفتوح أو غيرهما لا يريدون أن يروا الحقيقة، كل ما يريدون رؤيته هو شىء واحد فقط، هو أن تنهار الدولة.. نعم هذا ما يريدونه للأسف، وإلا لماذا يصرون على مجاراة الكذب والتضليل رغم يقينهم بأنه كذب.
حمدين وأبوالفتوح وغيرهما كل مواقفهم أصبحت تسير على منطق النكاية فى الدولة، فقط لأنهم لم يتنازلوا بعد عن حلم كرسى الرئاسة، لكنهم يبحثون عنهم من خلال طرق ملتوية، فبعدما لفظهم الشعب فى صناديق الانتخاب يريدون أن يعودوا من أبواب الفتن واللعب على وتر التهييج.
ألم يحاول هؤلاء أن يقرأوا تقرير لجنة تقصى الحقائق قبل أن يتضامنوا مع جنينة، أم أن القراءة ليست فى صالحهم وبالتالى خاصموها، وجعلوها خلف ظهورهم.. كما فعلوا فى قضية كمال أبوعيطة الذى دافعوا عنه باستماتة إلى أن أخرصوا جميعًا حينما ثبت لهم باليقين أن صديقهم خدعهم فى قضية الـ75 ألف جنيه أموال وزارة القوى العاملة.
هناك سؤال آخر، وهو متى سيرد المستشار هشام جنينة على ما جاء فى تقرير اللجنة، وكيف نفهم تصريحه بأنه لن يرد إلا بعد 25 يناير.. لماذا 25 يناير يا سيادة المستشار، هل لأنك تأمل فى حدوث شىء، أو لديك علم بشىء سيحدث فى هذا التاريخ سينجيك من خطايا أرقام الفساد المضللة، وفقًا لما وصفته لجنة تقصى الحقائق، ما علاقة الرد بـ25 يناير، وإذا كنت حتى الآن لا تملك المستندات التى تستطيع من خلالها إثبات ما قلته فلماذا قلت من البداية، وما هو الذى دفعك لذلك، وأنت تعلم أن تصريحا مثل هذا سيشعل الشارع وسيساعد على إشعال الغضب.. هل أنت قولته لذلك السبب أم ماذا؟. قصة جنينة ومن خلفه حمدين وأبوالفتوح وغيرهما ممن لازالوا يراهنون رهانًا خاسرًا، تثبت أننا لازلنا أمام تحدٍ كبير، يحتاج ليقظة دائمة وتفاعل مستمر مع كل ما يطرح أو يتم التصريح به، وألا تترك الدولة أى حديث دون فحص وتدقيق، فالمعالجة السريعة لتصريح المستشار هشام جنينة هى التى كشفت الحقائق والتضليل الذى كان سيمارس على الشعب.. هذا درس نتعلم منه الكثير للمستقبل.