الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 01:35 م
صبرى الديب

صبرى الديب

سد الكارثة الأثيوبى

10/19/2015 6:52:11 PM

اعتقد أنه من غير الطبيعى، أن يستمر الصمت المصرى على تجاهل أثيوبيا للأضرار الكارثية التى قد تلحق بمصر من الآثار المترتبة على استمرار تشييد "سد الكارثة الأثيوبى" بذات التصميمات والمقاييس التى وضعتها أديس أبابا وأوشكت على الانتهاء من الشق الأكبر منها، ولاسيما بعد  أن أوشك السد على العمل، والانسحاب الغير طبيعى للمكتبين الفنيين الاستشاريين (الهولندى والفرنسى) المسئولين عن إعداد دراسات السد من المشاركة فى إجراءات الدراسات الفنية بشكل مفاجىء منذ أيام، بعد مماطلة وصل مداها الزمنى إلى العام، بحجة رفضهما للشروط التى وضعتها اللجنة الفنية الثلاثية، من جهة ولخلافات على أسلوب العمل بين المكتبين من جهة أخرى.

 

وهو الاعتزاز الغير طبيعى، والذى لا أرى فيه سوى إضاعة وقت ومماطلة لصالح الجانب الأثيوبى، ومنحه مزيد من الوقت لإنجاز الشق الأكبر من السد، وجعله بمثابة أمر واقع لا مفر من التعامل معه، حيث عمدت أثيوبيا فى بداية الأمر الإصرار على أن ينفرد المكتب الفرنسى بتنفيذ الدراسات بمفره، وسعت إلى ذلك عبرعدد من المحاولات، بدأت فى اجتماع اللجنة الثلاثية فى إبريل الماضى، وحاولت بشتى الطرق وضع المكتب الفنى الهولندى، الذى يفوق فى خبرته المكتب الفرنسى بمراحل، للعمل فى صورة (مقاول من الباطن) لصالح المكتب الفرنسى، وفى حدود نسبة لا تتعدى 30 % من نسبة الأعمال الفنية، دون الإفصاح عن أن للمكتب الفرنسى علاقات وسابقة أعمال فى إثيوبيا تمتد لـ 15 عاما، وأن المسئولين فى المكتب يأملون فى أن يواصل عمله مع حكومة أديس أبابا التى تخطط لبناء 30 سدا آخر، وهو ما يعنى أن المكتب الفرنسى كان سيلبى كل الطلبات الأثيوبية دون حياد، وسيخرج بتقريره النهائى مؤيدا للإرادة الأثيوبية دون جدال.

ولا أدرى إلى متى سيستمر الصمت المصرى على المماطله الأثيوبية؟، خاصة وأن اعتزاز المكتبين الفنيين الهولندى والفرنسى سوف يعيد الوضع إلى المربع صفر الذى بدأ منذ عام لاختيار المكتبين الفنيين، فى الوقت الذى أبلغ فيه الجانب الأثيوبى مصر رسميا بعدم الموافقة على عقد اجتماع عاجل لبحث الأزمة، مؤكده أنه من الممكن أن تنظر فى الأمر مع نهاية شهر أكتوبر المقبل.. أى الاستمرار فى سياسة المماطلة وكسب مزيدا من الوقت.

 

فى الوقت الذى تعى فيه القيادة السياسية فى مصر جيدا، طبقا لأراء العشرات من المتخصصين، أن الهدف من بناء سد النهضة الذى سوف يتم تشغيله بشكل جزئى خلال أيام، (سياسى) وليس (تنمويًا)، ويهدف فى المقام الأول إلى التحكم فى مياه النيل، والتأثير بشكل سلبى على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية فى مصر، ولاسيما وأن حجم وارتفاع  وكفاءة السد، فى توليد الكهرباء سوف تكون متدنية، ولن تغطى إيراداته من بيع الكهرباء التكاليف الضخمة التى انفقت عليه، ولا تتواكب أيضا مع حجم الإنشاءات.. فى الوقت الذى سيؤدى فيه اكتمال بناء السد الأثيوبى إلى تشجيعها وتشجيع  بقية دول حوض على تنفيذ مشاريع سدود أخرى، وقد يشجع دولة جنوب السودان إلى الانضمام إلى اتفاقية عنتيبى، وتنفيذ مشاريع لاستقطاب فواقد النهر بدعم من قوى دولية.

 

الغريب أن انسحاب المكتبيين الفنيين منذ أيام، جاء مواكبا لاجتماع عقدته مجموعة حوض النيل بجامعة القاهرة، كشفت فيه عن كارثة جديدة، تؤكد أنه لا توجد فرصة حقيقة لإعادة ملء بحيرة السد العالى مرة ثانية، فى حالة السحب منها وسيكون ملئها جزئيا فقط أثناء سنوات الفيضانات العالية، وسيتعرض السد للتفريغ أثناء دورات الجفاف، أى أن أضرار سد النهضة ليست فقط أثناء سنوات الملء الأول ولكنّها ستكون دائمة.

 

أعتقد أن القيادة السياسية فى مصر تعى جيدا أن القضية بالنسبة لمصر (قضية حياة) ولا تحتمل الصمت، وأن الاستمرار فى تحمل سياسة التجاهل الأثيوبى أصبحت لا تحتمل، ولاسيما وأن النوايا أصبحت واضحة ولا تحتمل التفسير، فى الوقت الذى سلكت فيه مصر كل الطرق الدبلوماسية وغير الدبلوماسية لاحتواء الأمر، وأن القضية أصبحت فى حاجة إلى تحرك   سياسى حاسم يحسم الأمر. 


الأكثر قراءة



print