هل يحدث التدخل العسكرى فى سوريا؟.. لا تخفى بعض الدول نيتها فى المراهنة على الحلول العسكرية للأزمة السورية، دون اعتبار للمفاوضات السياسية التى انطلقت فى جنيف الأسبوع الماضى، ولم تحقق المطلوب منها حتى الآن، وتعتبر دول أن الحل العسكرى هو الأساس الذى يجب البناء عليه، لأنه بدونه لن يرحل نظام بشار الأسد الذى يعتبر المفاوضات السياسية متنفساً له لكى يواصل الحياة.
المؤشرات الآن تذهب إلى وجود رغبة قوية من جانب السعودية للتدخل العسكرى فى سوريا، ويساعدها فى ذلك تركيا التى تحكمها رغبة الانتقام من الأسد، فضلاً عن الرغبة فى سرعة التحرك داخل الأراضى السورية، لمنع تمكين الأكراد من تحقيق وجود قوى على الحدود بما يمهد لقيادم دولة كردية على الحدود السورية التركية، وهو ما تخشاه أنقرة وتحاول أن تعرقل هذا المخطط بكل السبل، حتى وإن تم ذلك بمساعدة تنظيم داعش الإرهابى ليوجه ضربات قوية للأكراد على الحدود.
الموجود حتى الآن هو رغبة أبدتها السعودية للتدخل البرى، وأنها مستعدة لإرسال قوات، وسارت معها دولاً خليجية أخرى أبدت نفس الاستعداد، وبالطبع تركيا يعجبها هذا التوجه، لذلك فإنها ستدفع نحو تنفيذه، لأنه سيحقق لها أهدافها.
تصاعد الأحاديث عن التدخل العسكرى فى سوريا ربما يعيدنا إلى الوضع فى المنطقة قبل عامين، حينما كانت المنطقة على لهيب ساخن بعدما بدأت الولايات المتحدة فى خطوات متسارعة نحو تنفيذ ضربة عسكرية ضد سوريا، وبينما تأهب الجميع لهذه الضربة تراجعت الولايات المتحدة فجأة، مما جعلها عرضة للانتقاد من حلفائها فى المنطقة ممن كانوا يأملون فى القضاء على نظام الأسد بأقصى سرعة، من يعيد تقييم ما يحدث الآن بما حدث قبل عامين سيتوصل إلى نتيجة مفادها أن فرص التدخل البرى فى سوريا ربما تكون بعيدة جداً، لعدة أسباب أهمها أن الخريطة على الأرض تغيرت الآن فى سوريا وليست بالسهولة التى كانت عليها قبل عامين.
كيف ذلك؟ قبل عامين كانت روسيا تساند الأسد سياسياً، وكذلك إيران التى كان لها بعض الوجود العسكرى المساند للأسد فى سوريا، لكن الآن لروسيا وجود عسكرى قوى فى سوريا، كما أن طائراتها تنفذ غارات على مواقع الجماعات الإرهابية فى بعض المدن السورية، وبالتالى فإن أى تدخل فى سوريا لابد أن يأخذ فى الاعتبار الوجود العسكرى الروسى والإيرانى أيضاً، فالأمر ليس قاصراً على الجيش السورى.
كثيرون يستبعدون فرضية التدخل العسكرى فى سوريا حتى وإن حاولت بعض الدول المطالبة بهذا الحل استغلال الانشغال الأمريكى بالانتخابات الرئاسية، لأن الأمر أكبر من مجرد الحديث أو التهديد، لأنه يحتاج لترتيبات معقدة وتحالفات أكثر تعقيداً، فما حدث فى اليمن ليس صالحاً للحدوث فى سوريا، لأن الطبيعة مختلفة جداً، سواء من خلال الوجود على الأرض، أو تناحر القوى الإقليمية.
ما البديل للتدخل العسكرى؟.. الحل بالطبع يكمن فى توصل الأطراف السورية إلى حل وسط من خلال المفاوضات فى جنيف، أو أن يفرض الجيش السورى سيطرته على كامل الأراضى السورية، ويستطيع توجيه ضربة قوية للجماعات الإرهابية والمعارضة المسلحة، وأن يواصل تقدمه الذى بدأه فى الأسابيع الماضية، خاصة فى محافظتى اللاذقية وحلب على الحدود الشمالية مع تركيا، وكذلك فى درعا الواقعة على الحدود الجنوبية مع الأردن، وفى شرق حلب.
الحل السياسى هو المطلوب حالياً، بمعنى أن يكون هناك توافق من جميع الأطراف السورية على الحوار ونتائجه، وأن يتحلى الجميع بأجندة سورية تتخلص مطلقاً من كل التدخلات الخارجية التى لا تأخذ فى الاعتبار المصالح السورية، وإنما تهدف إلى تحقيق مصالح خاصة بكل دولة أو طرف خارجى، لذلك فإن المعارضة السورية عليها أن تتفق على أجندة حوار واضحة، وأن يحدث توافق فيما بينها قبل الدخول فى حوار مباشر أو غير مباشر مع النظام السورى، لأن المعارضة السورية إذا دخلت جلسات جنيف المقبلة فى 23 فبراير الجارى دون توافق أو أجندة واضحة فإن الفشل سيكون هو المصير الحتمى، ولن نصل إلى الاتفاق المأمول من المفاوضات السياسية.
نعم هناك جزء من المعارضة لا تعول على السياسة، وتسعى إلى الحل العسكرى لمساندة أطراف إقليمية، وهذه المعارضة تحاول تكرار الدور الذى لعبه أحمد الجلبى فى العراق من قبل، حينما كان عراب التدخل العسكرى الخارجى فى العراق، فللأسف الشديد هناك بين المعارضين السوريين من يحلم بدور الجلبى.