أرجوك لا تقرأ الخبر التالى، إلا إذا كنت مصرا على قراءته، ولا تعانى من أمراض الضغط والسكر.. فوكالات الأنباء الغربية أوردت خبرا منذ يومين مفاده «أن شبكة السكك الحديدية فى بريطانيا قدمت اعتذارا لطفلة عمرها 6 سنوات، بعد التسبب فى تأخر والدها عن المنزل وكانت فى انتظاره وتسبب تأخره فى السكك الحديدية عن قلقها وخوفها الشديد عليها، هيئة السكة الحديدية أوضحت على موقعها الرسمى على شبكة الإنترنت رداً على خطاب غاضب من الطفلة»، أنها بصدد إجراء تعديلات على الجدول الزمنى للقطارات فى وقت الذروة.
بالنسبة لى أعتذر للقارئ عن إعادة كتابة الخبر مرة أخرى والغرض كان توضيح الفارق الشاسع بيننا وبينهم وليس لإبداء الحسرة والغيظ. فالسكك الحديدية اعتذرت للطفلة لمجرد تأخر والدها ربما لدقائق أو لأقل من نصف ساعة عن موعد ذهابه للمنزل، بسبب تأخر السكك الحديدية عن موعدها فى واقعة لا تتكرر كثيرا هناك.
وأعتذر بالمرة عن «الفارق الشاسع» فليس هناك فارق بالمرة، فلغة الاعتذارات غير موجودة فى قاموس هيئة السكك الحديدية عندنا، حتى إذا قررت الاعتذارات فسوف تتفرغ فقط لكتابة هذه الاعتذارات لآلاف الركاب يوميا عن سوء خدمة أو تأخير دائم بالساعات أو محطات متهالكة أو قطارات عفا عليها الزمن، ولم تعد تصلح حتى لنقل الماشية، أو تعتذر عن الحوادث المأساوية السنوية التى يفقد فيها الآباء والأبناء ذويهم بمنتهى السهولة نتيجة لفشل عام لمسؤولين عن السكك الحديد، وأقر وزيرهم «بأننا فشلة فى إدارة المرفق»، وعلينا البحث عن آخرين يديرونه لنا..!
نعود للخبر ونقول إن هذا هو الفارق بين دول تبنت علوم الإدارة الحديثة والتخطيط والاعتماد على أصحاب الخبرة والكفاءات وليس العجزة وأهل الثقة والمحاسيب والنتيجة الاعتذار لطفلة عن تأخر والدها، وليس لموت والدها محترقا فى عربة سكة حديدية على طريق الصعيد.
الأزمة فى الإدارة والوزير سعد الجيوشى كان فى لندن قبل أيام قليلة من اعتذار هيئة السكك الحديدية للطفلة البريطانية، وزار محطة لندن والتقى المسؤولين هناك، وبحث معهم كيفية الاستفادة من خبرتهم فى النهوض بالسكة الحديدية داخل مصر.
بالمناسبة إذا قدر لك عزيزى القارئ بزيارة لندن ومحطة السكة الحديدية بها فلن تجد فارقا كبيرا فى التصميم بينها وبين محطة مصر فى القاهرة والإسكندرية، الفارق فقط فى كيفية إدارة المحطة وتوظيف قدراتها فى تنمية موارد الهيئة، فالمحطة تدار بعقلية استثمارية لتدر أموالا وأرباحا للهيئة، فهناك الفندق والسينما والكافيتيريات ومراكز التسوق والحلاق وحتى البورصة.
وفى الطريق هناك استغلال رائع للأراضى التابعة للهيئة تسر الناظرين إليها من خضرة وماء، ووجه حسن أحيانا، حتى تتحول الرحلة إلى متعة حقيقية وليست قطعة من العذاب.
وتعانى من خلل فى منظومة الصيانة وتداعيات إهمال أصابها على مدى عقود فاتت، مما جعل معدل الحوادث عليها أعلى بكثير من نسب باقى دول العالم.
هل يستمر الحال بسكك حديد مصر ثانى سكك حديد فى العالم تم تأسيسها بعد بريطانيا؟ هل نحن فشلة فعلا؟ أم أننا عجزة ومقصرون ولن أقول فاسدون؟ هل من المقبول أن مصر تفتقد الكوادر والعناصر والخبرات والكفاءات المتخصصة فى إدارة السكك الحديدية وهى ثانى دولة فى العالم ولديها مدرسة متخصصة فى السكك الحديدية؟ كيف تصبح سكك حديد مصر فى المرتبة 78 على مستوى العالم، وديونها 36 مليارا، بعد أن كانت رقم 2 بعد بريطانيا؟ من المسؤول عن الانهيار فى المرفق الحيوى وإهدار أموال عامة وتنازل عن حوالى 400 ألف متر مربع للغير دون مقابل.. وضياع 4 ملايين متر مربع من أراضى الهيئة دون استغلال؟ هل نتجه للخصخصة بسبب فشلنا أم نأتى بخبرائنا وكفاءتنا لتطوير المرفق؟.. القضية مهمة.