هل تلغى العقوبات الأمريكية عن السودان؟.. فى الثالث من نوفمبر 1997 أصدر الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون القرار التنفيذى رقم 13067 بفرض العقوبات الاقتصادية على السودان، بموجب القانون الأمريكى للطوارئ الاقتصادية، وبمقتضى هذا القرار تم تجميد الأصول المالية السودانية، ومن ثم حصار اقتصادى يلزم الشركات الأمريكية بعدم الاستثمار والتعاون الاقتصادى مع السودان، وبعد ذلك جاء الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش فأصدر قرارًا تنفيذيًا آخر رقم 13400 فى 27 إبريل 2006، ليزيد استدامة وتعقيد وتشديد العقوبات على السودان، وفى نهاية مايو 2007 وسّع الرئيس الأمريكى الحظر ليشمل شركات وأشخاصا لم يكونوا مشمولين بالقرارات السابقة.
ولفرض العقوبات أسباب كثيرة من وجهة نظر الطرفين، لكن أيا كانت الأسباب فإن السؤال الآن، هل حان وقت إلغاء هذه العقوبات التى تشمل عقوبات مالية، ووقف المعاملات البنكية، ومنع السودان من استيراد قطع الغيار التى تدخل فى الصناعات الحيوية والمهمة ومواد الزراعة، وقطع غيارات الطائرات المدنية وغيرها من العقوبات التى أثرت بشكل كبير على وضع الاقتصاد السودانى. ورغم وجود مؤشرات إيجابية على تحسن العلاقات الأمريكية السودانية من خلال تبادل اللقاءات والزيارات فإن مسألة العقوبات لا تزال كما هى، بل إن واشنطن تحاول توسيعها على نطاق دولى، فقد حاولت قبل أيام أن تمرر قرارا داخل مجلس الأمن لفرض عقوبات على استخراج الذهب بالسودان لولا الرفض المصرى الروسى لتم تمرير هذا القرار.
شد وجذب هو السمة الأساسية التى تحكم العلاقة بين واشنطن والخرطوم، فالرسائل الودية المتبادلة بين الطرفين كثيرة، منها على سبيل المثال تبادل الزيارة بين وفد من الكونجرس الأمريكى للخرطوم، وزيارة قام بها إبراهيم أحمد عمر، رئيس البرلمان السودانى إلى الكونجرس الأمريكى.
ولا يخفى على أحد أن اختيار الرئيس السودانى عمر البشير للدكتور إبراهيم غندور لتولى حقيبة الخارجية بديلًا لعلى كرتى هو جزء من تغيير فى السياسة الخارجية السودانية، التى تهدف إلى الانفتاح على الغرب وعلى واشنطن تحديدًا، خاصة أن غندور شخص مقبول غربيًا على عكس كرتى، لكن لا ننسى أيضًا أن اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة يقف أمام أى محاولة لعودة طبيعية للعلاقات بين البلدين.
كيف تلغى هذه العقوبات؟.. تحركات كبيرة قامت بها الخرطوم لإقناع الأمريكان بإلغاء العقوبات المفروضة عليهم، وتم التوصل إلى صيغة وسط، حيث اقترح بعض أعضاء الكونجرس على الخرطوم طرح عريضة للتوقيع عليها من جانب السودانيين عبر موقع البيت الأبيض الأمريكى، تطالب برفع العقوبات الأمريكية على السودان، باعتبار أن الشعب السودانى هو المتضرر الأكبر من هذه العقوبات وليس الحكومة السودانية، حيث إن هدف العقوبات الرئيسى هو الضغط على الحكومة السودانية بصورة مباشرة وليس الشعب، ووجهة نظر هذا المقترح أنه إذا وصل عدد الموقعين على العريضة إلى 100 ألف سودانى خلال شهر فسيكون ذلك دافعًا أمام الإدارة الأمريكية لإلغاء العقوبات أو على الأقل تخفيضها دون العودة إلى الكونجرس.
ووفقًا لهذا المقترح فقد بدأ التوقيع على العريضة فى 15 يناير الماضى، ومساء الاثنين الماضى 15 فبراير كان آخر يوم لجمع التوقيعات، لكن السودانيين اشتكوا من بعض المماطلات فى عملية التوقيع، فرغم البداية الهزيلة من جانب السودانيين لعدم إدراكهم المبدئى لأهمية هذه الحملة، إلا أنه بعد أسبوع من انطلاقها شاركوا فيها بقوة، وبعد يومين أو ثلاثة تعدى الموقعون حاجز المائة ألف، لكن السودانيين فوجئوا بأن الموقع سحب تصويت أكثر من 20 ألفا قال إن خطأ حدث أثناء تصويتهم، وهذا الخطأ متمثل فى تصويت أكثر من شخص من جهاز كمبيوتر واحد، وبعد ذلك نشطت الحملة فوصل العدد إلى 160 ألفا، فعاد الموقع مرة أخرى وسحب تصويت أكثر من 80 ألفا، واستمرت عملية جمع التوقيعات حتى مساء الاثنين، ولا أدرى كم وصل العدد النهائى.
الشاهد الآن أننا أمام طريقة جديدة لمحاولة إلغاء العقوبات الاقتصادية، لكنها طريقة غريبة لا يجب أن تكون هى المتحكم الرئيسى فى مصير شعب أو دولة، فرهن حياة ملايين بتصويت 100 ألف هذه هى الإشكالية الكبرى الذى يجب أن ننتبه لها جيدًا، فضلًا عن أن الأزمة الكبرى هى آلية فرض العقوبات نفسها، فإذا كانت للولايات المتحدة أو المجتمع الدولى تحفظات أو ملاحظات على نظام ما فى دولة فهل يكون الحل من خلال معاقبة الشعب، أعتقد أن هذا تحرك غريب يحتاج لتغيير لكى نتجنب معاقبة الشعب بذنب نظام.