اتعجب كثيرا لحاله الذهول التى أصابت كل المتابعين للصورة المخزية التى ظهرت عليها نسبة الإقبال على التصويت فى الانتخابات البرلمانية الحالية، على الرغم من أن أسباب العزوف الشعبى قبل انطلاق العملية الانتخابية كانت واضحة للجميع، ولا تدعو إلى الاستغراب أو العجب، ولا أبالغ إذا قلت أنها كانت متوقعة.
فلا أدرى كيف يتعجب البعض من حالة الإحجام الغير مسبوقة من الشعب عن التصويت، فى ظل اكتواء الأغلبية العظمى من طبقات الشعب بنار الارتفاع المستمر للأسعار، والموقف المتردى للاقتصادى المصرى، والتضخم الغير مبرر الذى وصل وفقا للأرقام الرسمية إلى 11.5%، فى حين وصل التضخم الخطير لسلة الغذاء إلى 17%، فى ظل ثبات زيادة الأجور عند نسبة لم تتعد الـ 5%، وهو ما لا يتناسب بالطبع مع الزيادة فى الكبيرة فى الأسعار، بالإضافة إلى تدهور قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار، والذى وصل سعره فى السوق السوداء إلى ما يزيد عن الـ 8.20 قرشا، وانعكاسه المتوقع على زيادة أسعار الواردات المصرية، وما أعطى للمواطن مؤشرا بوجود زيادة جديدة فى الأسعار، ولا سيما وأن الأرقام الرسمية، تؤكد أن مصر تستورد ما يصل إلى 75% من احتياجاتها الغذائية.
ولا أدرى ما أعجب فى إحجام الأغلبية العظمى من المصريين عن المشاركة فى التصويت، وهو يرى عقارب الساعة تعود إلى الوراء، وليس أمامه سوى الصورة القديمة لكوادر الحزب الوطنى، التى سعت وتسعى بكل ما تملك من أموال ورجال وسلطة، للعودة إلى البرلمان، سواء من خلال القوائم الانتخابية المختلفة أو من خلال المنافسة الغير شريفة على المقاعد الفردية، مستندة إلى ما تملكه من أموال وسطوة.. فى منافسة غير متكافئة مع وجوه مجهولة لا يعرف الناخب لها خلفية أو هوية، ولم تقدم حتى نفسها للناخبين بالشكل اللائق.
ولا أدرى ما العجب فى مقاطعة الأغلبية العظمى من الشعب للانتخابات، وهم يرون انتخابات بلا ملامح أو سياسة أيديولوجية أو منافسة شريفة، فى ظل سيطرة ودعم من الجميع لقائمة واحدة بعينها، سيطرت وستسيطر على المشهد، ولا وجود أمامها سوى لحزب دينى، فقدت الناس الثقة فى أفكاره وقناعاته وتوجهاته حتى من قواعده التى انفصلت عنه بشكل تام، وأصبحت ترى فى القائمين عليه (موالين للسلطة) وتخلو عما يراه التيار من نظرة سلبية للدولة والحكومة، وهو السبب الرئيسى فى عدم خروجهم لدعمه، وترك قائمة الحزب التى كان متوقعا أن تحصد الأغلبية فى قطاع غرب الدلتا لتنهار، على الرغم من الوجود الطاغى لهذا التيار فى تلك المنطقة، ونسبة الحضور التافهة التى لم تتعد الـ 20% طبقا للأرقام الرسمية المعلنة.
أعتقد أنه لا عجب فى إحجام المصريين عن التصويت، وقد صدّرت السياسات الفاشلة للحكومة خلال الشهور شعورا للمواطنين يؤكد أنه لا حافز ولا ناقة لهم ولا جمل فى الانتخابات.. وأؤكد أن النتيجة المؤكدة للانتخابات بعد الرسالة القوية التى وجهها الشعب للجميع بهذا الإحجام، تؤكد أن الجميع قد فشلوا ( حكومة وأحزاب ومرشحون) ولا عجب.