ماذا حققت مصر من منتدى أفريقيا 2016؟.. ما قاله سنديسو نجوينيا، سكرتير عام الكوميسا، بأن مصر باتت العاصمة التجارية والاستثمارية لأفريقيا، أمر يجب الوقوف أمامه كثيرا، لأن القضية لم تعد تتعلق بأحاديث تفخيم للذات تنطلق منا كمصريين، لكنها شهادات تأتى لنا من الخارج، وتحديدا من الأشقاء الأفارقة الذين كانوا حتى وقت قريب ينظرون لمصر نظرة بها الكثير من الريبة والشك، فهم كانوا يعتبرون القاهرة اختارت التوجه نحو الغرب الأوروبى على حساب العمق الأفريقى، لذلك فإن ما قاله سكرتير عام الكوميسا خلال مشاركته فى منتدى أفريقيا 2016 الذى عقد بشرم الشيخ يومى السبت والأحد الماضيين يكشف عن تغير حميد فى النظرة الأفريقية للقاهرة.
هذا التغيير ليس مقصورا على النظرة السياسية، فسياسيًّا استطاعت مصر أن تحصل على ثقة الأفارقة بتمثيلهم فى مجلس الأمن الدولى لعامين بدأت فى يناير الماضى، ومن بعدها الفوز بعضوية مجلس السلم والأمن الأفريقى لثلاثة أعوام ستبدأ فى إبريل المقبل، وحصول مصر على عضوية المجلسين جاءت بالتزكية، فلم تترشح أى دولة أفريقية أمامها، مما يؤكد وجود نظرة جديدة من الأشقاء الأفارقة لنا، وهو ما حدث بعدما استطاعت مصر بعد 30 يونيو أن تعود للحضن الأفريقى مرة أخرى، مع التركيز على تحقيق الأهداف التنموية التى تبحث عنها دول القارة.
منح مصر لقب العاصمة التجارية والاستثمارية لأفريقيا جاء فى ضوء استضافتها للعديد من الفعاليات الأفريقية المهمة منها منتدى أفريقيا 2016، الذى جاء بعد أشهر قليلة من استضافة مصر وتحديدا مدينة شرم الشيخ لقمة التكتلات الأفريقية الاقتصادية التى شهدت مراسم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة للتكتلات الثلاثة «الكوميسا والساداك والمجموعة الاقتصادية لدول شرق أفريقيا»، وهو ما يعنى إطلاق أكبر تكتل تجارى فى أفريقيا ليكون بمثابة اللبنة الأولى والأساسية لتحقيق آمال الأفارقة فى إنشاء منطقة التجارة الحرة الأفريقية.
إذن هناك أفكار جديدة طرحتها مصر تتناسب مع متطلبات القارة السمراء، وتبعها مجهود كبير قامت به الدولة المصرية لتحويل هذه الأفكار إلى أمر واقع، وهذا المجهود مستمر إلى أن نصل إلى النتيجة المأمولة وهى إنشاء منطقة التجارة الحرة الأفريقية، خاصة أن القارة السمراء لا تقل فى إمكانياتها عن بقية قارات العالم، لكن ما ينقصها أن تكون لديها أفكار تستطيع أن تجمع هذه الإمكانيات تحت مظلة واحدة لنصل إلى الاستفادة الجماعية لدول القارة التى تأمل أن تحقق أهداف التنمية بحلول عام 2063 وفقًا لما تم الاتفاق عليه فى قمة جوهانسبرج الأفريقية فى يونيو 2015.
كيف نستمر فى تنفيذ الأفكار الجادة؟.. أهداف التنمية لن تتحقق بالدول فقط، وإنما بمشاركة القطاع الخاص الذى عليه أن يلعب الدور الأهم كقاطرة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية أفريقيًّا، فضلا عن مساهمته فى توفير فرص العمل اللائقة وتعزيز حركة التبادل التجارى ودمج أفريقيا فى الاقتصاد العالمى، وهو ما شرحه تفصيليًّا الرئيس عبدالفتاح السيسى لرجال الأعمال والمستثمرين المصريين والأفارقة ممن شاركوا فى منتدى أفريقيا 2016، فبدون رجال الأعمال ستظل عملية التنمية ناقصة، لغياب ضلع مهم، لذلك جاء هذا المنتدى الذى هدف إلى ربط المستثمرين الأفارقة بالمجتمع الدولى، وهو ما يؤكد الرغبة المصرية الجادة فى الانفتاح على أفريقيا وتعزيز الروابط الاستثمارية والتجارية بين دولها بما يخدم أهداف القارة التنموية.
الرئيس السيسى تحدث عن أن حجم الاستثمارات المصرية فى أفريقيا بلغ 8 مليارات دولار، وهو رقم جيد لكنه لا يناسب التطلعات المصرية والأفريقية أيضًا، لذلك فإن رجال الأعمال المصريين عليهم أن يكثفوا من الحضور فى الأسواق الأفريقية التى تشهد تكالبا من المستثمرين الأجانب الذين يرون أفريقيا مستقبل الاستثمار فى العالم، خاصة فى ظل الأفكار التى تسعى القارة لتنفيذها خلال السنوات المقبلة بهدف تسهيل حركة التجارة بين دول القارة، وبين أفريقيا والعالم، ومن بينها بالطبع إنشاء الطريق البرى الذى يربط بين القاهرة وكيب تاون، ومشروع الخط الملاحى بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، وهى مشروعات تستهدف تحديث البنية التحتية لشبكات النقل والمواصلات لخدمة أهداف التكامل الاقتصادى والتنمية فى القارة الأفريقية.
القارة الأفريقية تشهد الآن حراكا كبيرا يعتمد فى الأساس على أهداف التنمية، وكل ما نحتاجه أن يكون خلف هذه الأفكار رجال أعمال ومستثمرون يدركون أهمية الاستثمار فى أفريقيا بما تملكه من إمكانيات ربما لا تتوافر فى الغرب، كما أن تحديث شبكة النقل ستقلل من التكلفة الإنتاجية بما يفيد المستثمر أكثر من أن يتوجه إلى مناطق أخرى.